طوال العقود الثلاثة المنصرمة من عمر نظام ولاية الفقيه في إيران، أشغل الدنيا کلها بقصة صراعه و مواجهته المصيرية مع(الصهاينة)، وکان شعار(الموت لإسرائيل)، من الشعارات المرکزية التي کان يؤکد دائما بأنه لامساومة او مناورة او أي تحييد عنها ممکنة بالمرة، وهم بالاضافة الى ذلك کانوا يرکزون على قضية فناء إسرائيل و محوها من الوجود، وازاء ذلك أيضا، أظهروا للعالم کله(العربي الاسلامي منه بشکل خاص)، تبنيهم للقضية الفلسطينية و ذهبوا بعيدا في ذلك الى حد إعلان آخر يوم جمعة من کل شهر رمضان کيوم عالمي للقدس، حيث تقام فيه الاحتفالات الضخمة و تلقى فيه الخطب و الکلمات الرنانة الطنانة الحماسية جدا حتى کان يخال للمرء أنهم بحق أصحاب القضية الفلسطينة و رعاتها و العرب و المسلمون کلهم لاعلاقة لهم بها!
خلال ولايتين للرئيس السابق أحمدي نجاد، والذي بالغ جدا في إظهار عدائه لإسرائيل الى حد التطرف، وظل يردد مقولته الشهيرة بمحو إسرائيل و فنائها من الوجود بالاضافة الى تشکيکه بالمحرقة اليهودية في ظل العهد النازي(الهولوکوست)، ومن المفيد جدا هنا أن نذکر أن الکثير من الکتاب العرب و المسلمين و حتى وسائل إعلامية، قد إنبهروا و إنجرفوا مع شعارات و تصريحات نجاد المتشددة جدا ضد إسرائيل، لکن، وعند التدقيق في مواقفه العملية ضد إسرائيل او بتعبير أدق تفعيل تصريحاته المتشددة على أرض الواقع، نجده لم يرمي حتى ولو قشة ضد إسرائيل، بل ظل يتمشدق و يصارع بالکلمات الرنانة بطريقة طيب الذکر دون کيشوت!
خلال العقود الثلاثة الماضية، نشرت أنباء و تقارير متباينة عن ثمة علاقات و اوجه تعاون و تفاهم بين النظام الايراني و إسرائيل، لکن وقبل أن يبادر النظام الايراني لنفي او تکذيب تلك الانباء او التقارير، کان ينبري عدد من الکتاب و حملة الاقلام العربية للدفاع عن النظام و تبرئته من المؤامرة"الصهيونية"المشبوهة ضده، لکن، يبدو أن العهد الاصلاحي(بالاسم فقط)لروحاني قد کان عنده النبأ اليقين عندما بدأت تصريحات(مداهنة)و(متملقة)و(مرائية) لإسرائيل تطلق من جانب روحاني نفسه و وزير خارجيته ظريف، خصوصا من حيث الاعتراف بالمحرقة اليهودية الهولوکوست، بالاضافة الى تصريحات أخرى ذات طابع حساس و خطير نقلها السفير الامريکي السابق هوف و الذي کان الى وقت قريب مسؤولا للملف السوري في وزارة الخارجية الامريکية، عن لسان مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى بعد أن عقد مؤخرا جلسات معروفة بالمسار الثاني مع اولئك المسؤولين، وبحسب تلك التصريحات فإن"المسؤولين الايرانيين أجمعوا على أن العدو الحقيقي هو السعودية، داخل سوريا و خارجها."، کما أن هوف ينقل عن مسؤول آخر رفيع المستوى للنظام الايراني(والذي لايجرؤ إطلاقا على تکذيب هوف لأنه ينطق بالحقائق کما کلاما أخطر من ذلك عندما يقول انه"لايرى أن أمريکا او إسرائيل فعلت أي شئ في سوريا، وکل المشکلة تکمن في العربية السعودية، والى حد اقل في ترکيا."، النظام الايراني الذي کان يتهم في أدبياته مختلف الدول العربية بالعمالة لإسرائيل، و يطلق ليل نهار تصريحات ضد معارضيه ولاسيما من منظمة مجاهدي خلق بالارتباط و التعاون مع إسرائيل، بان أخيرا على حقيقته و ظهر للعالم کله ولاسيما للعرب و المسلمين معدنه الردئ، وانه ليس أکثر من نظام دکتاتوري قمعي وصولي إنتهازي يستغل کل الامور و المسائل من أجل المحافظة على نفسه!
مقالات اخرى للكاتب