الجواب كان حاضرا ومعداً بشكل جيد وجاء ليؤكد وبدون أي تردد أن الفساد لم يعد يعمل منفرداً وبشكل شخصي وأنما تحول الى منظومات لها أرتباطات واليات للعمل , والامر المبالغ فيه حقا أنه تم التاكيد وبصورة قاطعة بعدم وجود أستثناء لكل لاعبو العملية السياسية وحتى المتفرجون منهم فأنهم صامتون ومقتنعون بما يستحصلوه من أمتيازات وصِفتْ بالكبيرة , ولكن الامر لم يكن مفاجئاً بعد أن أُشبعنا وعلى مدى سنوات بالاف الملفات التي ترواح بمكانها حتى تراكمت ولم يعد بالامكان فتحها الا ما قد سلف ممن يتعذر معها تحقيق أي جدوى من فتحها أما لهروب المتسبب أو لمقايضة تلك الملفات حسب مبدأ ( طمطملي وطمطملك ) , ولاننسى ما طُرح في الاعلام من خطابات من داخل المكون السياسي بأن الحل الامثل هو بأقتلاع المنظومة السياسية من الجذور , فلماذا يأخذ هذا اللقاء كل هذه الهالة الاعلامية والسياسية ولماذا هذا الوقت بالتحديد ؟ هنا يكمن مايدور خلف الكواليس وتظهر خفايا نظرية المؤامرة لتطل علينا من جديد بأقنعة وشخوص يتبادلون المواقع والادوار ويتقاسمون المردودات والامتيازات .
وقد كان واعياً جدا وأتهامه الجميع بالفساد لم يكن زلة لسان أو مجرد مهاترة مع سياسي أخر في حوارات البرامج التي يتهم بعضهم البعض وبدون أي تحفظ ثم ما يلبثوا أن تراهم يتصافحون ويتضاحكون في أروقة المباحثات عندما تكون الغنيمة قد أينعت وحان وقت قطافها , وقد أسترسل وكأنه يوجه خطابا الى الجمهور ويكشف أن كل ما جرى عليهم من حيث وبأي صورة كان السبب الرئيسي فيه هو المكون السياسي , ولابد لنا من التحليل بتجرد من الجهل السياسي المستشري وخارج دائرة الاتهامات ولنبدأ أولا من صاحب الحديث الذي يتلون بلون القوى التي يعتقدها هي الغالبة , ثم يقوم بمهاجمة أي قوى مهما كانت أنتمائها أو حجمها ممن يظن أنها تبعده عن مصالحه الخاصة , كما أنه ليس له أي أنتماء لاسياسي ولا حزبي ولاكتلوي ولا مذهبي , ولكن المدهش أنه حاضر في المشهد السياسي منذ عام 2003 والى الان , وهو الان في لجنة النزاهة البرلمانية و يهاجم حتى رئيسها وبدون تحفظ , ويطلق أعنف التصريحات مرة هنا ومرة هناك وبدون رادع ولا أي محاسبة ولايأبه الى ما قد يحرجه من حديث سابق له ويكون الجواب دائما حاضراً وسرعان ما يهاجم ليدير الحديث بعيدا عنه , فمن أين يأتي بهذه القوة والجرأة والمعلومات الواسعة ليتمكن من التجول في الدهاليز المظلمة للعملية السياسية , ويتمكن من أطلاق التسريبات الاعلامية وهو لايخشى شيئاً حتى وأن قال أنهم سيقتلوه , فهو يقصد أن الجميع يمتلك آليات للتصفية السياسية فلو كان خائفا فلماذا الحديث من أساسه , فهل من المعقول أن تكون صحوة الوطنية قد تغلغلت في ضميره ليكون بطل القضاء على الفساد .
من غير المعقول أن يكون المتحدث متفردا في أتخاذ القرار الذي يتبعه أطلاق التصريحات والتي يهاجم بها ما يقع عليه الدور من الكتل أو الشخصيات التي يريد أن يُسقطها أو يساومها , ولابد من جهة أو أكثر من جهة تحرك تلك التصريحات وتطلقها عبر لسانه ليتم بعد ذلك المساومات أو التسقيط بين تلك الجهة الدافعة والجهات الاخرى , وأرتزاق السياسة من قبلة تستند على قوى لها تأثيرها على الواقع ويدخل في حيثيات أجنداتها العمل الاستخباراتي وهو على قدر كبير من الاحترافية والسرية والعمل المنظم وهذا يستبعد وجوده في كل المكونات السياسية الموجودة حالياً , ولكن الغموض لازال يكتنف التحليلات التي بأمكانها تخمين عنوان الجهة وبشكل دقيق , ولكن من المحتمل أن تكون هناك خلية لها القدرة على تحريك كل الدمى وبكل سهولة , والدمية التي لاتمشي على خطاها يتم أسقاطها بالهدف أو الدمية الام .
وما أُريد أيصاله من رسائل عبر الحديث الاخير كانت في غاية الذكاء فالرسالة الاولى كانت موجهة الى الخطاب الديني الذي نترقبه كل جمعة وهو أن لاجدوى من توجيه الحديث لأي شخص في المكون السياسي ليكون مصلحاً فالكل وبدون أستثناء غير صالحون وموافقون على الفساد وأن لم ينتموا الى تلك المنظومة , وبهذا يكون اليأس قد دبَّ في تلك المؤسسة حتى يمكن تحفيزها لأنقلاب عام يطيح بكل المنظومة السياسية في حين تكون الجهة الداعمة لخطاب الاتهام قد أستعدت تمام الاستعداد لأخذ المبادرة وسلب السلطة السياسية لصالحها وقد يكون بمباركة الخطاب الديني , أو هو تمهيد لمعرفة ما يمكن لهذا الخطاب من أن يفعله وهل هو قادر على تحريك الجمهور والعامة , وربما لأكتشاف ما يعنيه هذا الخطاب هل هناك من يتبعه أو هو مجرد رمز ديني روحي يمكن أن يستغل من جهات مختلفة , أو ربما لاحراجه وتقليب الجمهور علية بحجة عدم أتخاذ موقف واضح بالرغم من الاعترافات التي لاريب فيها ولالبس .
والرسالة الثانية ربما كانت موجهة الى الشعب العراقي ومفادها أننا أسدلنا ستارة المسرح على الفصل الاول من مسرحية عنوانها( فسادٌ رغماً عن أنوفكم ) وكان الممثل الاكثر بداعة وتميزا هو السيد المتحدث بعد أن أكمل الممثلون أدوارهم بكل روعة وتميز , وسيكون الفصل الثاني أقسى وأكثر جهورية للفساد وأكثر أنتشاراً وسيقضى على البقية الباقية من عراقيتنا , وقد تحدى الممثل الاكثر تميزاً وبين أننا ماضون في الفساد وفي نهبكم وسرقتكم بكل ما أوتينا من آليات وأساليب وأجندات ومن يريد منكم معارضتنا فليظهر للعلن , والجمهور كان يتفرج وهو يتنازع فيما بينهِ ولايستطيع أن يوقف المسرحية وكل ماكان يقدر علية هو هتافات ساذجة لاتعني أي شيئاً وليست بمستوى الخطورة أو الانهيار المتوقع فبعضهم يهتف جمعة وره جمعة والفاسد أنطلعه والاخر يطلق هتاف خبز حرية دولة مدنية والقسم الاعظم غادر ساحة العرض بأنتظار الفصل الثاني الذي سيطالة أن عاجلا أو آجلا وفي حينها سيكون أول المتضررين وسيندم لأنه لم يُطلق عراقيته
مقالات اخرى للكاتب