عند قراءتي لقائمة أسماء المدعوين للملتقى الثقافي العربي الكردي الثالث في النجف الاشرف ، والذي ذيل القائمة السيد فارس حزام ، كونه رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر ، ومع جل احترامي للأسماء الرنانة التي احتوتها ، إلا أنني تفاجات لمعايير احتساب الثقافة عند المثقف العراقي ، حيث ضمت القائمة لكوكبة من الإعلاميين باختلاف اوزانهم وتوجهاتهم ، وأدباء باختلاف أعمارهم وتنوع اختصاصاتهم ، وممثلين تلفزيونيين وشعراء وشاعرات ، ومطربين وملحنين وسينمائيين ومسرحيين وتشكيليين ، لكنها خلت من أي اسم رياضي سواء عامل في مجال الإعلام أو الرياضة بصفتها الأكاديمية أو الفنية ، وكأن الرياضة لا زالت كما هي الرؤيا الكلاسيكية لها على أنها ساعات لهو لقضاء وقت الفراغ ، وهي ليست جزءا من مشروع ثقافي مؤثر في حركة المجتمع ، ذلك يذكرني بموقف إبان مناقشة الاتفاقية الاستراتيجية الأمريكية العراقية ، حيث طالب السيد وزير الشباب من السفير الأمريكي أن تدرج الرياضة في بنود الاتفاقية ، فأجاب السفير الأمريكي ، لقد أخذنا ذلك بنظر الاعتبار ويبدو انك لم تتمعن بالاتفاقية بشكل دقيق ، حيث تضمنت فصلا مهما عن الثقافة وبالتأكيد فان الرياضة ركنا أساسيا في المشروع الثقافي ، لما تحمله من تأثير مميز في المجتمع ، الثقافة هي كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية كلترا = cultura وهذه الأخيرة مشتقة بدورها من كلمة كولير = colere، والتي تعنى "يزرع الأرض" وهو مصطلح مختلف المعانى.فعلى سبيل المثال،، قام كلا من ألفريد كروبير ووكلايد كلوكهن Clyde Kluckhohn في عام 1952 بعمل قائمة مؤلفة من 164 تعريف لكلمة "ثقافة" في كتاب بعنوان الثقافة : مراجعة نقدية للمفاهيم والتعاريف. ومع ذلك، فإنه يمكن استخدام كلمة "ثقافة" قي التعبير عن أحد المعانى الثلاثة الأساسية التالية:
التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.
نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.
مجموعة من الاتجاهات المشتركة, والقيم, والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما. إذن هي معرفة ذات منابع غير محددة بكم القراءة ونوعيتها ، وقيم لا تحددها مدرسة فكرية بعينها ، وسلوكيات تتميز بحجم مؤشراتها ، ومن مصادفات الأحداث ، أن دعوة السيد حزام تزامنت بذات اليوم مع مباراة نادي النجف الرياضي ، والتي حضرها أكثر من خمسة عشر ألف منفرج ، وهم بالتأكيد أكبر من مدعوي السيد حزام وجمهورهم لستة اشهر ، وكان بينهم إعلاميين أصحاب فعل مؤثر في حركة المجتمع ، وأكاديميين ومتخصصين وذوي شأن ، فهل أولئك جميعا ليسو نخبا مثقفة ، لمجرد أنهم لا يحتسون القهوة في اتحادات الأدباء أو لا يحضرون عرضا مسرحيا أو لا يباشرون جمع المتنبي ، انا هنا لا اود المقارنة بالأسماء ومؤثراتها الجماهيرية من حيث الالتفاف الجماهيري فبالتأكيد أن الرياضة لها حظوظ أوفر ، لكني أتحدث عن المؤثر من حيث الحدث الرياضي على مستوى أفعال الشخوص فمثلا الشهيد بشار رشيد قدم فعلا قيميا مؤثرا وكان رياضيا ، لم يكتب قصيدة أو يقتني مكتبة ، كذلك شرار حيدر قدم سلوكا مبدئيا باعلانه موقفا اخلاقيا من النظام ونحن لا نعلم عدد المجلدات في مكتبته أو هل كتب مقالات تساوي مقالات الشبوط بنفس التوجه ، كذلك مؤثرات يونس محمود وزملاءه في أمم آسيا بالإضافة إلى الكم الهائل من كناب المقال الرياضي الموسوم على انه صنعة تعليمية وتربوية ، وفي تفسير Roy Herron للثقافة يقول هي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفراد المجتمع . ذلك أن الثقافة هي قوة وسلطة موجهة لسلوك المجتمع ، تحدد لأفراده تصوراتهم عن أنفسهم والعالم من حولهم وتحدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبون فيه ويرغبون عنه كنوع الطعام الذي يأكلون ، ونوع الملابس التي يرتدون ، والطريقة التي يتكلمون بها ، والألعاب الرياضية التي يمارسونها والأبطال التاريخيين الذين خلدوا في ضمائرهم ، والرموز التي يتخذونها للإفصاح عن مكنونات أنفسهم ونحو ذلك . للأسف الشديد لا زالت الفكرة الكلاسيكية تهيمن على حركة المثقف العراقي بكوبانات وضع نفسه في حيزها الضيق دون أدنى جهد للخروج على قواعدها .