تنفست بغداد الصعداء , بعد عناء وارهاق طويل ومتعب ومخيف ومرعب , حيث شهدت الايام الاربعة الماضية , هدوء العاصفة الهوجاء , واختفت المظاهر المسلحة , وسكتت الانفجارات عن العمل في ممارسة مهنة القتل والدمار , وانسحبت المليشيات من كلا الجانبين من الشوارع . وبدأت الحياة تدب في جسم بغداد المصاب بالمرض المزمن , وتعود له الحياة شيئا فشيئا , ما عدى بعض المناطق البغدادية , التي شهدت احتكاكات بين المسلحين من طرف التيار الصدري , وجماعة عصائب اهل الحق بزعامة المنشق عن التيار الصدري الشيخ قيس الخزاعي .. ان اللقاء الرمزي والقبلات والمصافحة بين المالكي والنجيفي , ساهمت في اخماد نار الفتنة بتأجيج الصراعات والنزاعات السياسية , باقصى درجات الاحتقان والتخندق , التي ارهقت كاهل المواطنين وسممت الاجواء بالغيوم الحرب الطائفية , وبذلك عطلت مؤسسات الدولة , وتراجع النشاط الاقتصادي وتدهورت الاوضاع الامنية . . وتبين بشكل واضح ان التناحر الشخصي والمصالح الذاتية الضيقة , قد تغلبت على المصالح العليا للوطن , واجهزت على القيم والمبادئ السياسية , ووضعت القانون والدستور في سلة المهملات , لان الذي يتحكم بالواقع السياسي هي الامزجة والاهواء والخواطر والعلاقات الشخصية والمصالح الذاتية والطموحات الفردية والعلاقات الانتهازية , وحرارة القبلات والمصافحات الودية , ولكن مهما بلغ حجمها وحرارتها العاطفية , لايمكنها ان تقضي على شرور الفساد المالي والسياسي والاداري , ولا تسهم في ارجاع الاموال المنهوبة وضخها في مشاريع تخدم الشعب , ولا تقود الدولة الى تحسين الخدمات الاساسية , ولا تساعد على اعمار واصلاح احوال البلاد , ولا تجلب العدل اساس الملك , ولا تسهم في تنقية الاجواء المضطربة , إلا اذا قررت هذه النخب السياسية المتحكمة بفتح قنوات الحوار واللقاءات المكثفة , في سبيل الخروج من المأزق السياسي , وتطبيق الاتفاقيات على الواقع الفعلي دون تأخير . . ان السؤال الذي يدور في خاطر وفي بال كل مواطن , لماذا كل هذا العنف الدموي والتأزم السياسي وسقوط الآف القتلى والجرحى وتدمير البلاد , وجره الى المجهول المثخن بالمحن والاهوال والويلات , اذا كان سببه يعود الى خلاف شخصي بين المالكي والنجيفي ؟ وهل السيد المالكي يمثل كل اطياف الشيعة ورمزها الوفي ؟ وهل السيد النجيفي يمثل كل اطياف السنة ورمزها الوفي ؟ حتى يسقط هذا الكم الهائل من المواطنين الابرياء وتخريب الوطن ؟ وهل هذه المصافحة والقبلات تنهي الخلافات السياسية ؟ او الخلافات بين الطائفتين الشيعية والسنية ؟ وهل في مقدورهما طي صفحة الماضي البغيض , التي اهلكت البلاد والعباد ؟ والسؤال الاخطر , هل كانت الاعمال الارهابية والاجرامية التي طالت الآف الابرياء هي مدبرة من الجانبين ؟ وهل كل هذه الضجة المثقلة بالدماء , هي نتاج خلاف شخصي ؟ ومن يتكفل ويضمن ويتعهد بعدم رجوع المليشيات المسلحة مجددا الى الشوارع ؟ اذا تعكرت سماء الامزجة والخواطر والاهواء مرة اخرى ؟ ومن المسؤول عن الخراب والدمار والقتل اليومي , الذي حصل في العراق طيلة الاعوام الماضية ؟ اذا كان اللقاء الرمزي اثر بشكل ايجابي على هدوء العاصفة , لماذ لا يتفقوا على ميثاق شرف وعهد , بتحريم الدم العراقي , ويحرم المال الحرام , ويبعدوا الاخطار عن العراق , والسير في الطريق السليم للعملية السياسية ومسارها الديموقراطي , الذي يتطلع اليه الشعب , وهل هناك مفا جأة بقطع خيوط العلاقة والوصل والوئام ونرجع الى مربع الاقتتال ؟؟ وبالتالي سيدفع الشعب الثمن بكل طوائفه
ملاحظة : الحرافيش هي من روائع الكاتب الكبير نجيب محفوظ , وهي تتحدث عن صراع مجموعات متنافرة مصابة بهوس المال والنفوذ , وتستخدم البطش في تحقيق غاياتها واحراز النصر على المتنافس المقابل , وكل منتصر يهتفون له ( اسم الله عليه ) وياخذ مقود القيادة ويصبح سيد الحارة دون منازع . ان الرواية تأخذك بتشوق الى عالم ينعدم فيه العدل , ويعلى فيه الظلم والطغيان والبلطجية , وان القوة هي القانون السائد في وسط مجتمع ينخر فيه الجهل والامية والغباء.