لم يعد اجتهاداً فردياً أو موقفاً خاصاً القول بأن العراق على مفترق طرق، فغالبية مراكز البحوث الأميركية المهمة، والمعنيين بالشأن العراقي أخذوا في الأيام الأخيرة يكثفون من أحاديثهم الخاصة بالوضع المتردي الذي وصل إليه البلد.
ولا نريد استعراض جميع الأمثلة المهمة الكثيرة فلا يسع المجال لذكرها، ولكن نذكر بعضها مما يؤشر إلى خطورة الوضع الحالي. فقد وصل المبعوث الأممي في العراق مارتن كوبلر إلى هذا الاستنتاج خلال اجتماعات البرلمان الأوروبي قبل أيام، مع إنه موصوف بانحيازه إلى الحكومة العراقية حيث دعا «الاتحاد الأوربي إلى القيام بدور أقوى في التعامل مع التطورات التي يشهدها العراق». ونبهت الباحثة الأميركية «فيبي مار» إدارة أوباما من سياسة (التجاهل الصحي) التي تتبعها في العراق «فإذا ما انزلق في العنف الطائفي إلى مستويات تنذر بحرب أهلية سيتعين على تلك الإدارة التدخل لما يمكن أن تسفر عنه مثل تلك الحرب من عدم استقرار في المنطقة بأسرها، وتهديد المصالح الأميركية».
وشبه الباحث «ستيفن ويمكن» الفترة الحالية في العراق بالأيام الأولى للاحتلال الأميركي، وربطت الخبيرة البريطانية «إيما سكاي» ما يجري من عنف بالسياسة الداخلية للحكومة وبما يجري في سوريا.
أما على الصعيد السياسي المحلي فالمشكلة معقدة، وهناك جنوح لدى جميع السياسيين عن الاعتراف بالحقيقة، وإن قال بعضهم بجزء منها فبما يبرر استمرارهم بالسلطة، وبما يسقط الخصوم السياسيين، مع إنهم جميعاً في مركب المسؤولية.
المالكي يبدو أكثر صراحة من غيره في قضية السيناريوهات المحتملة ما بين الحرب الأهلية أو التقسيم أو بقاء العملية المترهلة لحين الانتخابات المقبلة. مع إن تشخيصه للحالة المرضية وما ستقود إليه من مخاطر المجهول لا يكفي، بل قد تعطي تفسيرات لا تخدمه كونه المسؤول الأول في السلطة، بعد أن حصر جميع السلطات السياسية والعسكرية والأمنية والاستخبارية بيده، إلى جانب فتحه جبهة ضد البرلمان ورئيسه النجيفي، سرعان ما انتهت باجتماع القبلات الذي كان ثمنه أكثر من 3000 بين قتيل وجريح.
المالكي يعمل على شل قدرات خصومه السياسيين، والمقصود من يمثلون العرب السنة وفق نظام المحاصصة الطائفية عن طريق اتهامهم بتنفيذ الأجندات الخارجية وارتباطهم مع قوى الارهاب. خصوصاً بعد تطور الاعتصامات الشعبية في ست محافظات عراقية، وتشابكها بأزمة السلطة في العراق. والحقيقة هي أن بعض السياسيين أرادوا استخدام الاعتصامات لتحقيق منافع سياسية خاصة.
لقد تدهورت الأوضاع على المستوى الأمني الناتج عن التدهور السياسي، فقد استعادت ميليشيات الاغتيالات صحوتها من جديد، بعد صناعة «صحوة جديدة فاشلة في الأنبار» للدخول في مقدمات الحرب الأهلية وعودة مناخات القتل لعامي 2006 و2007، وفق تطور لوجستي جديد استفادت فيه إدارات الحرب الأهلية من تفجير مرقد الإمامين على الهادي وحسن العسكري في سامراء، وذلك بالوصول إلى ذات الأهداف الرهيبة عن طريق «الحرب الأهلية الناعمة». الانهيار الأمني في العراق سببه وصول العملية السياسية إلى غرفة الإنعاش ولا أمل بشفائها. إن الحالة الخطيرة يقف فيها العراق على «مفترق طرق» فإما أن يستعيد عافيته، وهذا هو أمل جميع المخلصين لهذا البلد وأهله، ولا يمكن أن يحدث ذلك بمعجزة يصنعها رموز الفشل السياسي، وإما الذهاب إلى المجهول. فالتوصيف الحكومي للوضع الراهن هو توصيف غير واقعي، ويخدم مصالح أحزاب الحكومة فقط، حيث حصرها بكونها «حرباً بين تنظيم القاعدة والبعثيين وبين الحكومة، وإن جميع المعارضين السياسيين بما فيهم المعتصمين في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك، تقف خلفهم قوى خارجية تحركهم.
مع أن استمرار الاحتجاجات الشعبية ووقوع مجزرة الحويجة، قد وفر الفرص للبعض باستثمار الحالة الجماهيرية لمصالحهم الذاتية. وقيام المالكي بمدّ حبل الوساطات أنتج ما يعرفون بالوسطاء الصغار غير النزيهين الذين أطالوا عمر مشكلة الاعتصامات ليستمروا في قبض الأجر من الطرفين. ووجهت الأزمة بغير وجهة الحل الجذرية مع إنها مشكلة فرعية تجاه المشكلة السياسية الكبرى. إن اعتصامات المحافظات الست ليست بيد السياسيين المدعين تمثيلهم للعرب السنة، ولهذا فإن «الزعل» الشخصي بين بعض الرموز ورئيس الحكومة هو تبسيط وتجاهل لحقيقتها، وغالبية هؤلاء للأسف لم يعودوا يمثلون أحداً إلا مصالحهم المعروفة.
إن تنظيم القاعدة لا يدير وحده العمليات الارهابية ضد أبناء البلد، فالمليشيات استعادت دورة الاغتيالات، مما ينذر بحرب طائفية لعينة أخطر من دورتها السابقة.
الحل هو بيد رئيس الحكومة عندما يصل إلى قناعة بأن عليه رفع الظلم وإشاعة العدالة بين الناس، والوصول إلى قرارات كبرى عبر مؤتمر وطني يعبر محيط المنطقة الخضراء إلى مساحة الوطن كله يدعى إليه رموز سياسية عراقية عرفت بنزاهتها وعدم طائفيتها، ولا يتصدره الفاشلون ومن قدموا مصالحهم الذاتية والفئوية على مصالح الشعب. وأن يكون هذا المؤتمر بإشراف ورعاية الأمم المتحدة. مثل هذا المؤتمر يظل الملاذ الأخير لمنع ذهاب العراق إلى الهاوية.
د. ماجد أحمد السامرائي – لندن
مقالات اخرى للكاتب