البيان الذي أعلنه الدليل الدولي Henly&Patners أخيراً بوضع الجواز العراقي ثاني أسوأ جواز سفر على مستوٍى العالم، وقبله أفغانستان وبعده الصومال، أثار حزن جميع العراقيين المحبين لبلدهم، ما عدا مستوطني المنطقة الخضراء.
ويأتي هذا الترتيب الدولي بعد تصنيف عراق ما بعد 2003 في مقدمة الدول الأكثر فسادا في العالم حسب منظمة الشفافية الدولية. إن هذا الإعلان في العرف الديبلوماسي- وأتحدث كسفير سابق- يشير إلى المستوى المتدني لمكانة العراق، وإلى حرج المهانة التي تصيب المواطن العراقي حينما يغادر حدود الوطن. ولعل هذه الوضعية المؤلمة ليس سببها- إنصافاً- وزارة الخارجية أو وزيرها هوشيار زيباري، وإنما تتعلق بحالة البلد العامة للسنوات العشر الماضية.
هذا الإعلان أو البيان هو تتويج لشعور بالمرارة يتداوله العراقيون الذين يحملون جوازات السفر العراقية منذ عشر سنوات، بسبب مسلسل الإهانات التي يتعرضون إليها رغم حصول عدد قليل منهم على تأشيرات دخول لتلك البلدان العربية والأجنبية، ومسألة جواز السفر تعطي الدليل المباشر لقيمة دولة ذلك الجواز لدى الدولة المستقبلة لهذا الزائر.
فمكانة الاعتبار لا تصنعها دعايات وإعلام ذلك البلد مهما تبجح. جاءت هذه النتيجة بسبب إسقاط السيادة العراقية منذ الاحتلال العسكري عام 2003، ففي الوقت الذي يوضع الجواز البريطاني في بداية السلم أي الأرقى بالاعتبار حتى قبل الجواز الأميركي، فهذا يدل على مكانة بريطانيا في العالم، ولذلك نجد حاملي الجوازات البريطانية والأميركية يجوبون بلدان العالم دون أن تتلطخ صفحات جوازاتهم بمساحات واسعة لتأشيرات الدخول أو أختام الخروج والدخول مرفوقة باستفسارات وتدقيقات طويلة من قبل حماة الديار العربية موظفي الجوازات.
وإذا كان حامل هذا الجواز من أصل عربي فتكثر حوله الأسئلة خوفا على الأمن الوطني من الاختراق، في حين يدخل الجندي الأميركي أو البريطاني أراضي الأوطان العربية محتلا غاصباً بلا جواز أو فيزا. لاشك إن حالة الجواز العراقي لم تبدأ في العام 2003، بل بسبب وقوع العراق تحت أحكام الفصل السابع عام 1990 وفق قرارات العزل والحصار الدولي الشامل، ومنع انتقال الأموال العراقية عبر البنوك العالمية.
ولعله من المفيد التذكير بصفحة من صفحات معاناة العراقيين قبل 2003، فمنذ عام 1991 بدأت أفواج العراقيين بالتدفق كلاجئين إلى دول أوروبا وأميركا وفق قرارات المفوضية العالمية لشؤون اللاجئين بالتنسيق من دول الاتحاد الأوربي بوضع اسم العراق في صدارة قائمة (اللجوء) وكانت بريطانيا وما زالت من أكثر البلدان جذباً في طلبات اللجوء، لم يكن العراقي بحاجة إلى وثائق سفر عراقية ليدخل الأراضي البريطانية، كانت إفادته الشفهية بكونه عراقياً مضطهداً في ذلك الوقت تكفي حسب تعليمات اللجوء وبحضور المترجمين لدى «Home Office».
كان الجواز العراقي قبل عام 1990 من أقوى الجوازات العربية احتراما مثلما كانت عملته النقدية. ولم يتمكن الكذابون المرتزقة داخل المعارضة العراقية قبل عام 2003 من تمرير مخادعة البطل الأميركي حامل الزهور والرياحين بعد ساعات من الاحتلال. حاولت تلك المخادعة تمرير الكثير من الأوهام ومن بينها إن العراقي سيحمل جوازه ذا الثلاثة لغات (العربية والكردية إضافة للإنكليزية) وقد يطالب التركمان يوماً بأن تتضمن لغتهم جواز السفر العراقي، في حين إن الجواز الأميركي وكذلك الجواز البريطاني يحملان لغة واحدة، وكانوا يدعون بين بعض الأوساط بأن الجواز العراقي الجديد سيعبّر عن مهابة الدولة الجديدة، وسيستل المواطن العراقي جوازه الأخضر القوي كالسيف ويضعه على طاولة موظفي الجوازات خارج بلده بقوة مثلما يفعل السعودي أو الإماراتي أو غيرهما. يتساءل المواطنون العراقيون البسطاء خصوصاً ممن يسافرون خارج وطنهم وهم غالبية أبناء الشعب العراقي:
ما هي مقاييس قوة الدولة ومهابتها بعد نهاية عهد موصوف بالدكتاتورية والفردية؟ أليس الاستقرار الأمني مقياساً، وهو مفقود في العراق؟ أليس توفر خدمات الماء والكهرباء والصحة والتعليم مقياساً، وهي غير متوفرة في العراق؟ أليست قوة الدينار العراقي وفق واردات البلد المالية المليارية الحالية تؤهله ليضاهي في قوته الدينار الكويتي أو الريال السعودي أو الباوند البريطاني مثلما كان سابقا.
سقوط جواز السفر العراقي والنقد العراقي مؤشران موثّقان من قبل منظمة الشفافية الدولية ودليل Henly&Patners على مهابة العراق ودولته التي يبحث المواطن عنها في أروقة المدعين «بأن العراق أنموذج يجب أن يحتذى في المنطقة».
مقالات اخرى للكاتب