بعد 13 عاماً من هيمنة الكتل والكيانات ، اخترق النواب المعتصمون جدران المحاصــــــصة ، ولم تتمكن زناجيل وجنود كتل المحاصصة التي طوقت البـــرلمان من التأثير على النواب ، بل إن ماحدث هو انتصار للنواب المعتصمين ، وخلق لأول مرة حركة جدل حقيقية بين طرفي الاختــــــلاف الاول يريد الاستمرار بالهيمنة على السلطة ومواردها ، والثاني استشعر بضرورة التغــــيير وعبور جبهة المحاصصة .
قد يقول البعض بأن المعتصمين قد اخفقوا في تحقيق مشروعهم ، ولكن في حقيقة الامر ليس كذلك ، وإنما هناك طرفان هما اللذان انكشفا ، دعاة التغيير الشامل الذين تراجعوا عندما شعروا بان هّبة النواب تكاد تحجّم كيانات السيطرة على السلطة ، تراجعوا تحت شعارات وحجج غير مقنعة .
والطرف الثاني كيانات المحاصصة ، حيث توحدت بشكل اكيد وباتت تقاتل على المكشوف دفاعاً عن حصصها وهيمنتها و سيطرة مافياتها وازلامها على البلاد .
لقد اصبح واضحاً إن السلوك العشوائي للدولة ، وتعطيل حركة البناء ، وافقار نسبة عالية من السكان ، وهشاشة العلاقات المجتمعية ، وتراجع المفاهيم الوطنية ، وشبه افلاس للميزانية العامة.
كل ذلك جرى للعراق بسبب المحاصصة وهيمنة الكيانات النهابة ، لذلك فانتفــــــاضة النواب قد ساهمت في بلورة عوامل الرفض داخل المجتمع ، وافرزت جبهتين متقابلتين سوف تعطي نتائجهما في المرحلة المقبلة .
يخطأ من يتصور ان ماحدث داخل مجلس النواب ، قد تم تطويقة بتحالف الحــصصيين والمتراجعين عن التغـــــــيير، بل إن الوقائع تشيــــــر بان هذا الحدث هو من ابــــــــــرز المؤشــــــرات للتناقض الذي انكشف بشكل رسمي بين الطرفين، ولم يعد بالإمكان وقف تداعياته على مستوى الشارع أو داخل كابيـــــنة السلطة ومجلس النواب .
لقد كانت البلاد بحاجة لمثل هذه الاختلافات حيناً والتناقضات احياناً اخرى ، فتلك الكيانات والكتل كانت تتعامل مع اعضاء مجلس النواب على انهم جنود تحت امرة أمر السرية ينفذون المهمة دون الاستفسار عن نتائجها ، فيما يتصرفون مع الجماهير على ان مواقفها حالة انية سرعان ماتذوب في قدور تلك الكيانات.
لذلــــــك راحوا يعطلون عبر ممــــــثليهم كل المشـــاريع التي تخدم الناس تارة ، وتــــــــلك التي تؤطر وتنـــــــظم العمل السياسي في العــــــــــراق تارة اخرى بغية الاستمرار في توزيع البلاد والهيمنة عليها .
ان حالة التردي التي تعيشها البلاد لم يعد بالمقدور السكوت عنها ، فالناس قد يئست من أن تقدم التركيبة الراهنة للسلطة حلولاً للازمات ، فالسلطة القائمة بنيت بتوافق التوزيع ، وهذ ه السلطة فاشلة بامتياز ، لانه ليس من الممكن أن تعطي جهات سياسية منحازة بامتياز لاحزابها وكتلها وشيوخها وتتعامل مع البلاد كأنها حقوق مكتسبة فرضتها مناهج التوزيع السياسي بينها ، وبالتالي ليس هناك مشروعية لازاحتها أو حتى نقد مشايخها كونها تمتلك فرضية الحديث باسم الدين او ترفع شعارات وتمارس طقوساً دينية ، وكذلك لايجوز الحديث عنها او نقدها لكونها من خاصية معينة ، وهذا الوضع يذكرنا بالحاكم الشامل ، الذي يقال عنه او يسوق له من قبل وعاظ السلاطين ، له مالغيره في التصرف والاداء .
نعتقد على وفق مجريات الاحداث ، ان هذه الهبة البرلمانية ستفقد جذوتهـــــا وفاعليتها إذا لم تؤطر موقفها ببرنامج سياسي مستقل عن كل الكيـــــــانات والاحزاب القائمة وبمــــــــشروع وطني عابر للطوائف والعرقيات والاثنيات ، مشـــروع يؤكد المواطنة والانتماء والكفاءة والنظـــــــافة والاخلاص للعراق ، ومــــــــثل هذا المـــــوقف هو الذي يعطي للبرلمانيـــــــين المنتفضــين استقلاليتهم ، ويحصن مواقفهم ، ويجعل من حركــــتهم لها الانصار والمؤيديـــــن في الشارع العراقي ومن كل فصائل المجتمـــع ومكوناته بدءاً من شــــمال العراق حتى جنوبه .
اما إذا بقيت هذه الحركة ترفس ضمن احشاء تلك الكيانات فانها يقينا ستموت تحت كراسي مجلس النواب نفسه .
نحن نريد من هذه الجدلية النوابية ان تاخذ مداها وتمتد الى حيث رغبة الناس الملحة بضرورة التغيير ، لكون هذا النظام الحصصي الطائفي المقيت لم يقدم شيئاً ، بل ساهم في تقسيم المجتمع العراقي واضعاف الدولة والجغرافية وتفشي الامية والرذيلة ، ومن الممكن أن تكون تلك الحركة البرلمانية وماسبقها ورافقها من حراك شعبي وطني أن تؤسس لبداية النهوض ونهاية لقبر المحاصصة والطائفية العرقية والمذهبية .
مقالات اخرى للكاتب