يبدو أن السفارة الأمريكية في عمان ساهمت في تضليل الحكومة الأردنية قبل أكثر من أسبوعين عندما أوصلت رسالة تقول فيها بأن المرشح الرئاسي المصري الجنرال أحمد شفيق هو الرئيس المقبل لمصر وليس مرشح الأخوان المسلمين محمد مرسي.
الرسالة وصلت عبر الدبلوماسية الأمريكية لوزارة الخارجية الأردنية وخلال وقت قصير إنتقلت من مجلس الوزراء إلى مربعات القرار الأساسية في الدولة الأردنية التي تعاملت مع المشهد الداخلي فورا على أساس معادلة شفيق في الحكم المصري.
عمان إنشغلت قليلا في السؤال التالي: هل تسريبات السفارة الأمريكية نوع من التضليل أم أن واشنطن كانت تنقل خبرا له مصداقية فعلا لصديق مهم في المنطقة هو الأردن؟
المفارقة أن الإطار البيروقراطي في عمان تلقف معلومة شفيق الأمريكية وأسس عليها إستراتيجية عمل سريعة داخل المعادلة السياسية المحلية في الوقت الذي كان فيه تقدير المؤسسة الأمنية يشير لإحتمالات قوية لفوز الأخوان المسلمين بالرئاسة المصرية وفقال لما قاله مسؤول بارز ومهم لنخبة من الشخصيات السياسية والبرلمانية.
لذلك يعتقد وعلى نطاق واسع داخل أروقة القرار الأردني بأن تداخل وتقاطع الإشارات والمعلومات والتسريبات إنتهى بأزمة داخلية لم تكن متوقعة أو محسوبة فإستراتيجية وصول شفيق للحكم أنعشت قانون الصوت الواحد الإنتخابي المثير للجدل ودفعته للواجهة بإعتباره القانون المتخصص بإبعاد وإقصاء الإسلاميين.
وخلال ساعات فقط إنشغل مربع القرار الأردني في البرلمان وغيره من المؤسسات بإعتماد صيغة الصوت الواحد وذهبت ملاحظات ومناشدات رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري أدراج الرياح عندما حاول الرجل دون فائدة لفت النظر لان نظام الصوت الواحد لم يعد يصلح للزمان والمكان مقترحا العودة لما قررته لجنة الأجندة الوطنية حيث الصوت المتعدد.
وعلى هذا الأساس عقد رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي لقاء مع عشاء سياسي في منزله بحضور 24 نائبا تضمن الإنقلاب المفاجىء على صيغة الصوت المتعدد والعودة لحلف الصوت الواحد على أساس أن الأخوان المسلمين خارج اللعبة تماما.
آنذاك راجت في أروقة القرار النظرية التي تقول: نستطيع تنظيم الإنتخابات النيابية حتى في ظل مقاطعة الأخوان المسلمين.. الأمر لم يعجب حتى خصم سياسي للإسلاميين في النظام هو عبد الإله الخطيب رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الإنتخابات الذي يسعى لصفحة إنتخابية فارقة جدا.
لاحقا وبمجرد إعلان نتائج إنتخابات الرئاسة المصرية أدركت مؤسسة القرار الأردنية مسألتين: تأخير إعلان النتائج ثلاثة أيام يثير الغموض والإرتياب ويؤشر على مستجدات وراء الكواليس فشلت الدبلوماسية الأردنية في إلتقاطها حيث لم تقدم السفارة الأردنية في القاهرة تقييمات قيمة للموقف، وثانيا أدركت المؤسسة الأردنية بأن "تسريبات" الدبلوماسية الأمريكية كانت "مضللة".
عليه تغيرت المعطيات فجأة وفي الوقت الضائع فاز مرسي وجلس على كرسي الرئاسة وطمأن العرب بأنه لن يسعى لتصدير "الثورة" المصرية لكن الجانب الأردني في الرسالة تمثل في إستقبال دافىء وببروتوكول مبالغ فيه للمراقب العام للأخوان المسلمين الأردنيين الشيخ همام سعيد.
التجربة أثببت بأن بعض المسؤولين لا يجديدون القراءة ـ يقول الناشط السياسي محمد الحديد - لكن الإستدراك أصبح واجبا وفورا فإتخذت السلطات الأردنية ثلاثة قرارات "ثورية" إلى حد ما وتنقلب فيها على إستراتيجيتها الطازجة المقررة قبيل فوز مرسي. القرار الأول تمثل في رفع "الفيتو الأمني" عن الإتصال والتحاور مع النسخة المحلية من الأخوان المسلمين بعد سقوط نظرية تنظيم الإنتخابات بدونهم، والثاني على شكل إحتضان الزعيم السياسي لحركة حماس خالد مشعل والسماح له بالبقاء لفترة أطول من المعتاد يتخللها - لأول مرة - نشاطات سياسية أما القرار الثالث فكان صدور توجيه ملكي بإعادة النظر في جزء من قانون الإنتخابات ورفع عدد مقاعد القائمة الوطنية لـ27 مقعدا بدلا من 17 وهي خطوة تحاول بوضوح خطب ود التيار الإسلامي.
لاحقا إرتبك أصحاب القرار بعد بروز تعقيدات تفصيلية فتقدم بعضهم بإقتراح للقصر الملكي يقضي بتأجيل الإنتخابات لمدة شهرين فقط حتى يتمكن الجميع من ترتيب العملية بصورة مقنعة.
مؤسسة القصر رفضت هذا الخيار وأصرت على إنتخابات عامة نظيفة قبل نهاية 2012 فسارعت المؤسسة الأمنية في محاولة حثيثة للتفاهم مع الإسلاميين وحاورت الرجل الأهم في التنظيم الأخواني الشيخ زكي بني إرشيد الذي صرح بعد يومين من التواصل النادر مع الأمن بنفي نضوج أي "صفقة" من أي نوع مع الدولة.