عند الشدائد ومنها الحرب يصمد الرجال، وللنسوة دور تشجيعي وتحريضي، في حض المقاتلين على مقاومة الأعداء والتحلي بالشجاعة والصبر والاستعداد للتضحية، وقد يأخذ هذا التحريض أشكالاً مختلفة، تتجاوز فيه المرأة خطابها الناعم في أيام السلم عندما تضع الرجال أمام مسؤولياتهم المصيرية: فأما التصرف بما تقتضيه الحالة الحرجة وقيم الرجولة أو فقدان ماء الوجه والوصم بالجبن.
عرضت في كتاب لي منشور في بيروت بعنوان "الإنحرافات الأربعة: كيف ومتى ولماذا أضعنا الطريق" وضع المرأة في المجتمعات الإسلامية والعربية، ولاحظت بأن استلاب المرأة إرادتها وقرارها وتهميشها في هذه المجتمعات دفعها إلى البحث عن مصادر ووسائل لاكتساب القوة مقابل الرجل، ومن هذه الوسائل الانتقاص العلني لصفات وسلوك أقاربها من الرجال، وبيان جوانب الانحراف فيها عن النماذج السلوكية المقررة اجتماعياً للرجال كالشجاعة والفحولة والكرم، والقصد من ذلك اضعاف موقفهم في معادلة القوة التي تجمع بينهم وبينها.
يطلق مسمى "العيارة" في مجتمعنا العربي القبلي على المرأة التي تعير الآخرين بعيوبهم ونواقصهم، ومن الواضح أن هذا الدور قديم، إذ كان عرب الجاهلية يصطحبون نساءهم معهم إلى سوح القتال، لحثهم وتشجيعهم على القتال، وقد لجأ كفار قريش إلى ذلك، فكانت نساؤهم يضربن الدفوف وينشدن الشعر لرفع معنويات المقاتلين، كما كن يرجمن بالحجارة المقاتلين المنهزمين والفارين، ويتعرضهن لهم بالشتم والصفات المقبوحة.
وقد استمر هذا التقليد الاجتماعي حتى زمن قريب، وتروي بعض المصادر بأن للعيارة دور هام في القتال بين القبائل العربية البدوية، وما أن يتقابل الفريقان المقاتلان حتى تنطلق من صفوف كل منهما إمرأة تعرف بالعيارة على جمل أو حصان باتجاه الفريق المعادي، مما يضطر المقاتلون إلى اللحاق بها بأقصى سرعة لمنع تعرضها للأسر وما يلحق بهم من ذل نتيجة ذلك.
سمعت من بعض سكان جنوب العراق القبليين الأبيات الشعرية التالية:
يا منتبين جدودكم
كون حمود يحودكم
والله لادك إلكم ربج
والربج أو الربق هو القيد أو الحبل الذي يربط به الحيوان، وتتوعد الشاعرة فيه رجال قبيلتها بأنهم سيستحقون منها معاملة الدواب، فتدق لهم وتداً في الأرض وتربطهم به، إذا لم يتصدوا بشجاعة واستبسال لعدوان الشيخ حمود، زعيم القبيلة المعادية، ومثل هذه الجرأة النادرة بين النساء مطلوبة في العيارة.
ما أحوج شيعة العراق اليوم لشاعرة عيارة أو حتى عيارة بدون موهبة شعرية، فهم اليوم يتراجعون وينسحبون، تاركين ورائهم نساءً وأطفالاً وشيوخاً لوحشية الإرهابيين، وما زال المالكي وزمرته من الساسة الفاشلين المنهزمين المتخاذلين ومن شجعهم على المشاركة في الانتخابات ودعم العملية السياسية الفاسدة يقودونهم من فشل إلى آخر ومن مهلكة إلى أخرى.
كان الأجدى بشيعة العراق الاتعاظ من تجربة حزب الله في لبنان، فهو لم ينتظر وصول الإرهابيين إلى أراضيه بل بادر إلى المشاركة في التصدي لهم على الأرض السورية، وشارك في دحرهم والقضاء على المتواجدين منهم بالقرب من حدود لبنان مع سورية، ولم يتبق منهم سوى فلول منهزمة ويائسة.
أعمت أنانية بعض قادة الشيعة وانشغالهم بتحقيق مصالحهم الحزبية بصائرهم عن الخطر المحدق، وها قد جاء الطوفان الإرهابي وهؤلاء القادة الفاشلون المنهزمون متشبثون بكراسيهم المخلخلة، فلاهم اعترفوا بأخطائهم ولا سارعوا لتلافي نتائجها المفجعة، ولو استمر قادة الشيعة وأتباعهم بالاستهانة بالخطر وانتظار مساعدة أمريكا أو غيرها فسيفوت الأوان، ولو أتت العيارة بعد حين فستجد أن داعش وأخوانهم قد حزوا أعناق الشيعة.
يا شيعة العراق
كون داعش تحودكم
سيكون مصير رجالكم وأطفالكم الذبح ونساءكم السبي.
مقالات اخرى للكاتب