تشكل الثقافة ظاهرة اجتماعية هامة انحسرت في الفترة الأخيرة لأسباب منها الظروف الأمنية و الاقتصادية للمواطن العراقي البسيط و ما سببته التجاذبات السياسية من ضياع لمفهوم الحوار الوطني والذي لا نراه سوى لدى القلة القليله من مثقفي الوسط الأكاديمي.
الوسط الاكاديمي او الجامعي يمثل الحلقة الأقوى في تكوين هذه الظاهرة، يتبعه في ذلك الوسط الإعلامي و لوحظ في السنوات الأخيرة لجوء كثير من الأكاديميين إلى مجال الإعلام بسبب المساحة الأكبر التي يمنحها الإعلام لهذه الشريحة الواسعة اضافه إلى عدم وجود فرص حقيقية في مجالات أخرى مماثلة.
دخول الاكاديميين و المثقفين إلى المجال الإعلامي جعلهم على تماس حقيقي مع الشارع، فبعد ان كان المثقف يسكن " برجاً عاجياً" بعيداً عن هموم المواطن اليومية نراه اليوم من اشد المدافعين عن هذه الحقوق و اكبر المتصدين لها و هذا ما عزز التوتر الحاصل بين المثقفين من جهة و بين المسؤولين الحكوميين من جهة اخرى.
العلاقة بين المثقف و المسؤول هي علاقة متوترة دوماً و السبب في ذلك ميل المثقف الى المثالية في التعامل مع المواطن على العكس تماماً من بعض المسؤولين الذين تولوا مناصب مرموقه بدون خلفية ثقافية او مؤهل اكاديمي و انما تولوا مناصبهم نتيجة للمحاصصة السياسية و الحزبية و الذين يفتقرون الى ابسط المعلومات حول ثقافة التعامل مع المواطنين.
الثقافة تمثل الباب الاول للدخول الى النجاح الاجتماعي فلكل مجال ثقافته محدده تتميز عن المجالات الأخرى بعدد من المحددات و الاسسس و من هنا نقول هنالك ثقافة سياسية و ثقافة دينية و ثقافة أدبية و ثقافة علمية و ثقافة عامة.
و ما نناقشه اليوم هو الثقافة الاجتماعية و ثقافة التعامل و ابرز ما يوضح الثقافة الاجتماعية هو التظاهرات التي شهدتها عدة مدن عراقية في الايام القليله الماضية احتجاجا على استمرار تردي الخدمات و ابرزها الكهرباء حيث سجلت التظاهرات ثقافة فريدة تحتاج الى الاهتمام و التنمية و التعريف بها و نحن نشهد هذا التكاتف و المعاملة الجيدة من قبل قوات الامن بصورة عامة اضافة إلى الخطاب العقلاني و المطالبات الموضوعية و النقد البناء من قبل المتظاهرين أنفسهم بل و حتى موضوع تنظيف الشارع بعد التظاهرة و هو الأمر الذي يعكس مقدار الوعي لدى المواطن العراقي.
قد يطرح تساؤل حول التجاذبات السياسية و الطائفية لدى البعض و مدى تأثيرها على المواطن البسيط و على مستوى تفكيره و ثقافته الاجتماعية الا ان المنظور العام يعكس وعي المواطن بالفساد و مطالبته بان يكون جزءاً من الحل و ليس جزءاً من المشكلة بدعوته إلى التغيير الجذري لكل مسؤول فاسد في جسد الدولة.
نتمنى من كل مواطن عراقي الحفاظ على هذا المستوى من الوعي و المطالبة بالحقوق و محاسبة الفاسدين بطريقه موضوعية تخلو من التجاوز على الأفراد او على الممتلكات العامة .
مقالات اخرى للكاتب