عرف العراقيون ومنذ اقدم الازمنة انهم اهل فكر وادب واهل اللغة والفصاحةولايجاريهم في ذلك احد وباعتباران العراقيين هم جمجمة العرب فان كل الصفات الحميدة التي كان يتميز بها العربي تجدها في الفرد العراقي وزيادة ومنها قول الشعر وخصوصا الارجوزة والتي كانت حاضرة في كل لحظة وفي كل موقف يعترض العربي وخصوصا في الحروب والمعارك التي كان العربي يخوضها واستمرت هذه الحالة (اي قول الارجوزة) حتى بعد انتهاء زمن الحروب والغزوات والى وقتنا الحاضر الذي يمكن ان نقول فيه ان اللغة العربية الفصحى قد انحسرت او تراجعت مع الاسف الا ان ما كانت تستخدم فيه اللغة لم يتغير وبقى على حاله وقد يكون في زيادة فظهرت الاهازيج (الهوسات) والدارمي والابوذية وغيرها من فنون الشعر التي كان العراقي يحاول ان يستخدمها للتعبير عن مشاعره او لإيصال رسالة معين او لرفض او قبول شيء معين ونحن وخلال الايام القليلة السابقة كنا نعيش لحظة فريدة في تاريخ العراق الحديث وهي خروج تظاهرات رافضة لحيف قد وقع على الشعب المظلوم وهو التعسف في استخدام الصلاحيات وهدر المال العام من خلال اعطاء رواتب ضخمة جدا لأشخاص لايقدمون مايستحقون عليه هذه الامتيازات وهم (البرلمانيون والوزراء والدرجات الخاصة والرئاسات الثلاث ) ولقد لفت انتباهي اهزوجة قامت احدى الفضائيات ببثها لرجل كان قد اخرج عائلته البسيطة بكل افرادها متجها للتظاهرة حيث كان يردد مع عائلته "وين اهل الغيرة ... اليوم الدم يتحرك" وقد استوقفتني هذه الاهزوجة لمافيها من دقة باختيار الالفاظ والمعاني حيث يمكن شرحها بالنقاط الاتية :
1. كلمة (وين) هي كلمة مأخوذة من اللغة الانكليزية (where, when ) والتي تعني اين سواء للمكان او الزمان وهناك الكثير من الالفاظ التي تستخدم واصلها كلمات انكليزية او تركية او فارسية وبمرور الوقت وصلت الى هذا اللفظ الحالي .
2. المقطع الثاني (اهل الغيرة) ويعني به من كانت صفتهم الغيرة على بلدهم والغيرة على عرضهم والغيرة على دينهم وهي (اي الغيرة) صفة قلما تجدها في غير العراقيين لأنها انحسرت عند الشعوب ولم يبق منها الا كالكحل بالعين ولا يحتمل ان يكون مشمولا بها غير العراقيين اي ان المنادى هم العراقيين فقط بالنسب طبعا .
3. اكيداً فان هذا العراقي المظلوم لم يكن يقصد كل العراقيين والا لم يستخدم (وين) اي انهم غير موجودين امامه وبذلك فقد استثنى من (اهل الغيرة) من لا يتصف بها وقطعا لم يكن يقصد من هم الان متصديالإدارة البلاد .
4. المقطع الثاني "اليوم الدم يتحرك" اي من تربطه معه رابطة الدم والنسب وبذلك وكما قلت اخرج غير العراقيين لانهم لايشتركون معه بالدم .
5. ان الواضح انه اخرج من تلوث دمه عندما كان متسكعا على الارصفة والملاهي حيث نبت لحمه ودمه من الحرام فلايتوقع ان يكون مشمولا بذلك .
6. ان هذا العراقي المظلوم يستنهض من تجري بجسمه دماء الكرامة والغيرة العراقية الدماء المتحركة وليست الدماء الباردة التي غلب عليها الحرام .
7. ان هذا العراقي المظلوم بأهزوجته هذه يريد ان يوصل رسالة لكل من يراه أويسمع صوته انه لم يكن وحده فيما قال من اهزوجته انما ابنته وابنه وزوجته فهم يوافقونه ويرددون معه .
8. ان هذا الفارس العراقي وكما هو معروف عندما يبرز الفارس قديما حيث يقول ارجوزته رافعا راية بيده غالبا ماتكون راية القبيلة او العشيرة واما فارسنا هذا فهو يرفع راية بلده المظلوم المستباح .
9. ان هذه الارجوزة وعلى الرغم من قصرها وبساطتها تحمل معاني كثيرة اهمها واولها ان قائلها لايرى من تنطبق عليه ارجوزته لذلك فهو يرددها من لحظة خروجه من بيته والى وصوله لمكان التظاهرة على الرغم من انه يرى جيش وشرطة مدججين بالسلاح ويعرف ان ورائهم مسؤولين وقادة وحكومة ومع كل ذلك فهو يقول لكل هؤلاء ولمن ورائهم انتم غير مشمولين بالنداء .
10. ان هذا العراقي المظلوم يعرف تمام المعرفة ان هناك من تنطبق عليه (اهل الغيرة) ودمه يتحرك لذلك فهو المعني بأرجوزته ويريد ان يراه ويسمعه ويأتي ليحرره من ظلم ذوي القربى .
مقالات اخرى للكاتب