لم اكن اتصور عندما كنت في سن الرابعة عشرة من العمر ان ما يحدث هو بداية نهاية هذه البلاد , وما حدث في ذلك الوقت هو حرب الخليح سنة 1991, الدخان الاسود وصوت الراديو الذي يصدح بمونت كارلو واذاعة صوت اميركا والاصدقاء الاعداء ومجلس التعاون العربي الذي كان عبارة عن سراب محض والليالي السوداء بلا كهرباء والبرد القارس والطبخ على الحطب, يبدو اننا عدنا الى عصر الانسان القديم في الكهوف وتذكرنا حضارة اريدو و كيش ودويلات المدن السومرية , وكنا نمني النفس بانتصار الثورة الشعبانية التي سوف تغير البلاد وتخلصنا من قمع النظام الدكتاتوري الجاثم على النفوس ولم نكن نعلم بالمقابر الجماعية التي ارتكبها, كنا نخاف ان تضيع منا هذه السنة الدراسية حيث توقفت الدراسة لفترة من الوقت , كنا طلبة صغار نحلم يوما ان نتفوق ونجتهد (حسب كفاءتنا) وسوف يرانا المسؤولون ( النزيهون في الدولة) ويرشحوننا ويساعدوننا في اكمال دراستنا في جامعات اكسفورد وكمبردج و جامعات ادنبرة وغيرها , ونعود الى البلاد نكمل المسيرة ونصب معرفتنا ونعطيها الى شعبنا ووطننا, كان الحلم متقدا, وكنا نقول لم لا ؟ ما الضير ؟ ونحن نستحق ذلك, فنحن نلم نأت من فراغ , نحن ورثة الحضارات القديمة وبأمكاننا المضي في تحصيل العلم وتحقيق الحلم, ولكن ما حدث بعد ذلك جعل احلامنا تتبخر حتى وصل الامر الى ترك مقاعد الدراسة من اجل تحصيل لقمة العيش, ولكن ذلك ولحسن الحظ لم يحصل, حتى سقط النظام وبدات مرحلة اشد من سابقتها , فما ان ارتحنا من ظلم النظام حتى جاء الارهاب يعصف بالجميع ويقتل على الهوية حتى وصل الامر بالمرء الا ان يمشي ويلتفت وراءه خشية ان يراقبه احد من هنا او هناك, ولكن الامال لم تمت فما زال في العمر بقية وما, ولكن الامل اليوم في هؤلاء الصغار الذين سوف يبنون البلاد اولئك البراعم الذي سوف يطأؤون جامعات هارفارد وكمبردج واكسفورد وغيرها , لا يهم ما حصل لنا فقد استوعبا الدرس ولكن الخوف على اولئك الصغار ان تسرق احلامهم .
مقالات اخرى للكاتب