رأيتها ذات مساء في قاعة التمارين الرياضية . كانت بكامل أناقتها وهي ترتدي لباس رياضي شورت قصير وفانيلة ضيقة دون أكمام ، شع من وجهها نور كأنه شروق شمس تشرق باستحياء وعلى مهل . كان صوتها ناعما كخيوط الحرير تهمس همسا كخرير ماء . اقتربت مني وحيتني باللغة الانجليزية . رددت على تحيتها باللغة العربية ، قلت لها أظنك عربية ؟ .
قالت نعم . كيف عرفتني وأنا شقراء لا شيء في شكلي يوحي بأصولي العربية ؟. قلت لها نجح حدسي .
قالت وغير حدسك ما هي دالتك على أصلي ؟. فتحت في داخلي قواميس شعر و حضرتني كلمات غزل دفنت منذ أكثر من ثلاثة عقود ، بدأت كلمات الغزل كالسيل ، هي تضحك تارة وتتغنج تارة أخرى ، لكنها مع كل أصباغ الغزل التي طليتها بها ومع كل جمل "البنتلايت والبوليش" ، التي لمعتها بها ، قالت: لا تنسيني ولا تلهيني لغاية الآن لم تذكر لي دالتك على أصولي العربية ، قلت لها نظراتك ومسحة جمال شرقي وووو ، لكنها لم تقتنع وأصرت على معرفة المزيد .
أمام إصرارها لا بد لي من قول الحقيقة ، قلت لها الحقيقة متأخرا .
قلت لها سمعتك قبل أيام تتكلمين مع إحداهن باللغة العربية . قالت:" قلها من الأول يا زلمة شو فيك بدك تتغزل" ؟. مع فارق العمر بيني وبينها إلا إنها أكملت قائلة :" يابيي من زمن ما سمعت هل الكلام الحلو"
اديش سنين خلصوا هون ما سمعت مثل هل حكي" ؟ . ودعتها على أمل ان نلتقي ثانية . تكررت اللقاءات مرة في حوض السباحة وهي ترتدي البكيني ومرة في القاعة ، وهكذا تكررت اللقاءات ، كل مرة نتجاذب أطراف حديث عن هموم ومشاكل عالمنا العربي والإسلامي .
قبل أشهر خلت أخبرتني بنيتها الانتقال إلى قاعة رياضية مخصصة للنساء كي لا تشعر بالحرج والضيق .
استغربت من كلامها لأنها تطبعت بطابع النساء في الغرب ولم اشعر إنها تخجل مني ، حينما تخرج أو تدخل إلى المسبح في ملابس السباحة "البكيني ".
لم أشاهدها في قاعة الألعاب الرياضية ثانية ، انقطعت أخبارها لأشهر .
في الأسواق العربية اقتربت مني امرأة منقبة معها شابة محجبة ، قالت: "شو وينك شو أخبارك" ؟ . عرفتها من صوتها ، أجبتها: سبحان مغير الأحول .
من هو الذي تمكن من تحويلك من امرأة متحررة إلى لفائف من قماش ؟.
أين الوسطية في دين الله ؟ .
قالت الله هداني إلى طريق الصواب ، دار بيننا حديث طويل ختمته بالقول:" "أفكر جديا بالذهاب للجهاد" .
هل من ساحة محددة تقصدينها للجهاد ؟ .قالت : سوريا طبعا .
قلت : ما تسمينه جهادا له تسمية أخرى عندي ربما تزعجك .
قالت الله يهديك مثلما هداني .
قلت :هل الهداية عندك في الطريق الواصل بين البكيني والنقاب و"الجهاد "؟.
ردت الله يهديك .
قلت : لو أن الهداية بلفائف القماش وبحرف بوصلة الجهاد ، فانا أظل على ما املكه من إيمان وسطي أفضل ألف مرة من أكون قاتلا أو مقتولا بالضلالة ، أو أن أكون داعية إلى باطل ، غادرتني منزعجة .
قصة ن.... وطريقها من البكيني الى النقاب تشبه قصص كثير من الشباب والشابات ، الذين لوث الفكر التكفيري عقولهم بسبب فراغ فكري مطبق يعيشوه ، أو ولدوا لأسر تحمل ذلك الفكر ، ولم يعرفوا عن الإسلام غير التشدد والقتل والتكفير.
لو ان حلفا عالميا ينشأ يحارب ويجرم الفكر التكفيري ويمنع تدريسه في المدارس والجامعات والمعاهد والمساجد ، ويضغط على دولا ترعاه وتموله ، أحسن مليون مرة من حلف عالمي تقوده أمريكا يضرب نتائج الفكر التكفيري بالقنابل ويترك أسباب وبؤر التكفير والتشدد دون علاج !.
ستفشل جهودهم لأنهم مثل الذي يداوي القيح ، الذي ينز من ورم ويترك الورم دون علاج .
منذ أيام بادرت بتحيتي بنت محجبة ، لم أتعرف عليها أول الأمر عرفتني بنفسها وأخبرتني عن صديقتها ن.... ، التي ذهبت صوب "ارض الرباط والجهاد" هكذا انقلب اسم سوريا بلد الياسمين الدمشقي ، بلد الشعر والجمال ، بلد نزار قباني والقدود الحلبية ، انقلب اسمها عند بعض العاهرات إلى بلد جهاد النكاح .
"الآراء الهدامة تشبه العملة الزائفة يسكها جناة كبار ويتداول فيها أناس يديمون الجريمة ربما من غير ان يدروا"
مقالات اخرى للكاتب