بين جملة المواطنة البصرية الفقيرة (أم عمّار- جاهيَّ وليه) التي اطلقتها قناة الفيحاء بعد صولة الفرسان 2006-2007 أي قبل الانتخابات النيابية عام 2009 وبين الصورة المنشورة لها مع دولة رئيس الوزراء والتي أمر بمنحها قطعة أرض سكنية زمن سينتهي في نيسان القادم 2014 موعد الانتخابات النيابية، والتي ستقرر مصير الكرسي الأول في الدولة العراقية ، الزمن الذي سينتهي في اللحظة التي تتسلم أم عمّار فيه قطعة الأرض، لكنه غير المنته عند ما تبقى من جملتها –جا هيَّ وليه- ذلك لما تحمله الكلمة من إمكانية تحقيق الحكومة الحالية لمتطلبات الحياة بالنسبة للعراقيين، الحياة التي لن تقتصر على قطعة الأرض بقدر ما يتعلق ذلك بمصير ومستقبل الحياة نفسها.
أهمل المالكي السرد وبلاغته الكاملة التي وردت في جملة المرأة حيث كانت تردد وتقول: ملينه والله ملينه- نريد نفرح، نريد نعرّس، -والله مريضين (مرضى)- ملينه والله ملينه-ما ظل شي ما بعناه- فواكهة ما نكدر نشتري-... أهمل رئيس الوزراء ذلك كله، تركه دونما معالجة طوال الفترة التي قضاها على كرسيه العالي واختصر معاناة ام عمار بقطعة ارض لا تملك ثمن بنائها. ترى لماذا تغاضى المالكي عن تنفيذ جملة الطلبات التي أوردتها المرأة وأكتفى بقطعة الأرض التي يعلم هو وكل من حوله بأنها لن تستطع بناءها، أكانت الأرض ثمنا باهظاً لما لا يقدر على تحقيقه لها؟ أم كان يعلم بأنه يسلبها بذلك حقها الكامل في الحرية والتعليم والتطبيب والحياة الكريمة. ألم تقل (نريد نفرح- نريد نعرّس- الأشعة بـ 150 ألف –الله يقبل !!!
لم يكتف رئيس الوزراء بقطعة أرض واحدة إنما أوعز بتوزيع 1500 قطعة أرض سكنية على فقراء ومساكين المدينة، لا بل اوعز بتحقيق كامل في قضية اغتيال شيخ عشيرة آل الغانم (عدنان) -كانت أسرته قد التقت المالكي قبل اكتشاف جثته بأكثر من أسبوعين- كان، وبعد جائحة الماء المالح التي ألمت بمدينة الفاو امر بتخصيص مبلغ 20 مليون دينار لبناء محطة تحلية لكن المحطة عملت لساعتين فقط ثم توقفت إلى اليوم، لم تعمل، لأن الفلاتر كانت مخصصة لمعالجة المياه العذبة فيما الماء ملح أجاج.
ولكي لا يبدو بعيداً عن قضية المعالجة فقد اتفق مع الرأي القائل بضرورة إنشاء قناة أروائية تمتد من نقطة بعيدة في نهر الفرات حتى مدينة الفاو مرورا بقضائي العرب وأبي الخصيب عابرا شط العرب من نقطة في ابو الفلوس ،الأمر الذي أصبح بحكم المستحيل اليوم، لأنه يسير بخطى سلحفاتية ،وسط صعوبات فنية لا تعد، بحسب فنيين في الموارد المائية. وهكذا ظلت البصرة مدينة تعاني من تكرار امتداد لسان الملح في شطها منذ العام 2009 -السنة التي تولى فيها دولته الرئاسة- حتى اليوم، حيث يزورها متكرما على فقرائها بـ1500 قطعة أرض سكنية.
تذكّرُ البصرة في الأيام هذه التي تسبق الانتخابات من قبل الحكومة المركزية أثار غضب حكومتها المحلية، لأنها جاءت بدون تنسيق بينها، لا بل صار يثير سخرية السكان الذين فوجئوا بزيارات مماثلة لرئيس البرلمان اسامة النجيفي ولأعضاء من كتل سياسية اخرى. يقول المثل الشعبي البصري (صارت بيها حليلوه) نعم بين عشية وضحاها أصبحت البصرة محط عناية ورعاية رئيس الوزراء ورئيس البرلمان وسواهما. لكن أحداً فيهم لم يتحدث عن مينائها الموعود، عن نفطها المنهوب، عن بستان نخلها الذي خُرِّب وتحول إلى مساكن، عن مائها المالح ، عن شوارعها الوسخة، عن سكانها المرضى(المريضين بتعبير ام عمّار) عن امنها القلِق ،عن الفساد والرشى،عن واقع الاستثمار المتعطل فيها بسبب خراب نفوس موظفيها، عن ديموغرافيتها التي تمسخ وتتغير كل يوم، عن مدارسها ومستشفياتها ومؤسساتها الخربة وعن مفاصل أخرى تتحطم وتتقوض.
لا ايّها السيد المالكي، إن كنت اشتريت أصوات سكانها بصولة القانون في انتخابات العام 2009 لن تقدر على شرائها ثانية في صولة الـ 1500 قطعة أرض سكنية هذه المرة. هناك فجوة عميقة بين زمنين لن تردمها زياراتك المفاجئة مع الاسف.
مقالات اخرى للكاتب