حينما نتحدث عن ثورة الإمام الحسين ( ع ) مع إطلالة شهر محرم من كل عام نستذكر دور المرأة في هذه الثورة العظيمة ، فقد كان للمرأة دور كبير في ثورة الحسين ( ع ) جنباً إلى جنب مع جميع الشرائح الاجتماعية رجالاً ونساءً شيباً وشباباً .وهنا نستذكرُ دور السيدةِ ألحوراء زينب ( ع ) التي لازمت رسالة الدم في ثورة الحسين (ع) لأنها من النساء اللواتي اشتهرن بمواقفهن في هذه الثورة التاريخية . فمن خلال تتبع حياة هذه المرأة العظيمة التي كان لها الدور البارز في هذه الثورة نجد أنها كانت مُعَدَة إعداداً رسالياً خاصاً للقيام بهذا الدور ألرسالي العظيم الذي حفظ للرسالة الحسينية مبادئها من الانحراف والتشويه والضياع .
فقد ذكرَ المؤرخون أن النبي ( ص ) حين عَلِمَ بمولد زينب وجمَ وبكى وضمها إلى صدره حتى أثار ذلك عجب أمها سيدة نساء العالمين وسألته عما يبكيه ، فقال : يا فاطمة إعلمي أن هذه البنت بعدي وبعدكِ سوف تنصّبُ عليها الرزايا والمصائب ، وكان الرسول ( ص ) يقرأُ مستقبل الرسالة ويعلمُ ما سوف تواجهه من عقبات وشدائد .من هنا تتضحُ لنا العناية الفائقة التي حظيت بها عقيلة بني هاشم من قِبلِ جدها وأبيها وأخوتها في جميع مراحل حياتها ، كان يهدف إعدادها رسالياً لتحمل المسؤولية التي ستحملها في مستقبل حياتها . ولم يكن هذا الاهتمام الشديد إلاّ لعظم المسؤولية التي ستحملها في مواجهة الأخطار التي ستواجه الرسالة الحسينية ( رسالة الدم ) برسالة أخرى ( رسالة الخطاب ) بوجه الظلم والاستبداد وسلاطين السلطة وحكام الجور .نشأت الحوراءُ زينب ( ع ) في مدرسة الوحي لترفل بالعناية الرسالية وتنهل من فيض علومها ومبادئها وتتخلق بأخلاق جدها وأبيها وأمها وأخوتها ( ع ) لقد جمعت كل صفات الكمال مما يدلُ على قوة شخصيتها وتماسكها واتزانها وصبرها في أشد المحن والمصائب . كانت شريكة أخيها الإمام الحسين ( ع ) في النضال والجهاد ومن أجل الرسالة والعقيدة والثورة . وكانت إلى درجة من البلاغة والزهد والشجاعة . إنَّ المصائب التي مرّت عليها لو مرّت على الجبال لفتتها ورغم ذلك تقفُ متوازنة لم تفقد صوابها ولم تخرج عن اتزانها وتحافظ على وعيها وتدير المعركة بكل جدارة كما يدافع عنها الحسين ( ع ) . لقد تحملّت وهي ترى الحسين في المعركة وحيداً بين الأعداء وقد تناوشته السهامُ والرماح من كل جانب وصوب ، كما شاهدت بعينيها كيف كان أبوها يعاني من مكايد القوم طيلة ربع قرن ورأتهُ يجود بنفسه حين نزل على رأسه سيفُ الغدر والخيانة . ثم فقد أخيها المجتبى الحسن ( ع ) مسموماً وهي تنظر إليه وهو يتمزق كبده قطعةً قطعة ثم ترى أخاها الحسين ( ع ) تتقاذف به البلاد حتى نزل كربلاء وهناك داهمتها الكوارثُ العِظام من قتله وقتل بقية أخوتها وأولادهم وأتباعهم وخواص الأمة وهي في كل ذلك صابرة محتسبة ومفوضةً أمرها إلى الله تعالى .وبينما يتلقى الحسينُ ( ع ) عشرات الطعنات خرجت الحوراء زينب ( ع ) وهي تقول : ( ليت السماء انطبقت على الأرض وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ) ثم قالت : ( الله تقبل منّا هذا القربان ) .وإني لا أستطيع أن أصف بطلة الطف لأني لا أستطيع أن أسيطر على قلمي وهي تقفُ هذا الموقف ( المعجزة ) لا تبكي .. لم تنهار .. لأنها زينب وما أدراك ما زينب ، إنها بنتُ علي وشقيقة الحسين ( ع ) حاملة الراية من بعده لتكمل رسالته في ثورته الخالدة الني خلدّت الإسلام سليماً ناصعاً بخلودها .لقد أفسدت الحوراءُ زينب ( ع ) فرحةَ الفاسق يزيد باستشهاد أخيها الحسين ( ع ) وقلبت النصرَ المزعوم إلى ندامةٍ وحسرة فأومأت البطلةُ زينب ( ع ) إلى الناس أن أسكتوا فأرتدّت الأنفاس وسكتت الأجراس وقالت : ( أظننتَ يا يزيد حيثُ أخذتَ علينا أقطارَ الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق بين يديك كما تساق الأسارى . ثم قالت : ( أ من العدل يا أبن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقكَ بنات رسول الله سبايا ؟ قد هتكتَ ستورهن …الخ )لقد أرادت الحوراءُ زينب ( ع ) أن تُعَرِِّفَ يزيد خسة قدره وضعة مقداره وشناعة فعله ولؤم أصله فقالت : ( ولئن جرت عليَّ الدواهي فخاطبتكَ لأني استصغرُ قدرك وأستعظمُ تقريعك وأسنكبرُ توبيخك ، لكنّ العيون عبرى والصدور حرّى ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء )لقد كانت لخطب الحوراء زينب ( ع ) أهميةً تاريخية لامتداد ثورة الحسين ( ع ) وكشفت الظنَّ الزائف ليزيد على طول التاريخ ظلمه وعدوانه وكشفت عمق جريمته في هتك حرمات العائلة النبوية . إضافةً لذلك أرادت الحوراءُ زينب ( ع ) أن تُعَرِّف يزيد بشرف آبائها وأبنائها وإنّ القتل والشهادة زادتهم فخارا وجلبت لعدوهم العار حتى قالت : ( فالحمدُ لله الذي ختم لأولنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة وهو حسبنا ونعم الوكيل ) لقد حملت زينبُ ( ع ) رسالةَ الخطاب والتبليغ ، تبليغ خطاب الشهداء الأحياء الصامتين لأنها بقية السيف وعليها أن تكون لسان كل أولئك الذين قطعت ألسنتهم سيوفُ الجلاّدين . إن لم يكن للدم خطاب فسوف يبقى أخرس أبكم في التاريخ وإن لم يترك الدمُ رسالته في كل مكان وزمان لتدوي في كل العصور فسوف يستوعبه الجلاّد . ولو لم تقل زينب ( ع ) خطاب الدم والثورة لدفنت الثورة بين الجلادين ولما سمع أحدٌ بصوت الثورة . رسالةُ السيدة زينب ( ع ) بلاغٌ لكل المناضلين والثوار على وجه الأرض فلكل ثورة وجهان الدمُ والخطاب .ها هي السيدة زينب ( ع ) من أشرف نسب وأجل حسب وأكمل وأطهر قلب حملت بين جنبيها روح جدها الطاهر وقوة أبيها المرتضى وحلم أخيها الحسن وشجاعة أخيها الحسين (عليهم السلام ) التي تمثل رسالة خطاب الدم قي ثورة الحسين ( ع ) إنها تخاطبُ البشرية قائلةً : (إن لم يكنْ لكم دين فكونوا أحراراً .. تحملوا المسؤولية اتباعاً للدين ، وإن كنتم مؤمنين كونوا شهداء على عصركم و شهداء على صراع الحق والباطل في زمانكم ، إشهدوا ككل متدين حر ، لا تبعدوا عن ساحة المعركة بين الحق والباطل واعلموا أن شهداءنا أحياء حاضرون ناظرون ) فالسلام عليك يا بطلة الطف ويا صوت الحق يا من أخرستِ صوت الطاغية ببلاغة الخطاب .
مقالات اخرى للكاتب