اخبار العجز المالي و قرار الحكومة بفرض الضرائب على المواطن العراقي سبب بموجه من التساؤلات، و الانتقادات و الاتهامات من قبل كثير من الكتاب على المواقع الالكترونية , البعض منها لا يخلو من شعور بمعاناة الفقراء ولانتقاد البناء ولكن الكثير منها كانت مجرد تصفية حسابات وتهم تحتاج الى براهين . كان نصيب الموظفين الكبار ومسؤولي الرئاسات الثلاث وموظفيهم وحراسهم الحصة الكبرى من هذه الانتقادات.
احد الكتاب اعتبر انخفاض أسعار النفط هو انتصار للفقراء العراق وحرب علي الفاسدين في الرئاسات الثلاث وان انخفاض سعر البرميل الواحد الى 10 دولارات سيكون "ضارة نافعة" لان من سيتضرر هم الفاسدون من الساسة والموظفين الكبار وليس الشعب الذي ليس له ناقة ولا جمل من الموارد النفطية , طالبا كف "الحرامية" من النهب , تحمل تكاليف معيشتهم ومعيشة عوائلهم التي تسكن خارج العراق وليس الدولة العراقية , وانهاء وظائف أقرباء المسؤولين في المنطقة الخضراء في القنصليات والسفارات العراقية في الخارج. الكاتب اعتبر ان هذه الإجراءات الثلاث كفيلة بترميم الميزانية ولا حاجة لفرض الضرائب على المواطنين " المفلسين".
المشكلة مع مقترحات الكاتب هو ان انخفاض سعر البرميل الواحد 10 دولارات سوف لن يضر الفاسدين فحسب وانما يضر الفقراء أكثر. هذا السعر سوف يدر واردات مالية للدولة لا تكفي تغطية المصاريف على الحاجات الصحية للبلد او تغطية تكاليف وزارة التربية. ان انخفاض سعر البرميل الواحد 10 دولارات سوف لن يمكن الدولة دفع أجور ورواتب موظفيها أكثر من شهرين وسوف لن يستطيع العراق استيراد أكثر من 20% من حاجاته من السلع والخدمات. ثم ان مادة النفط هي ليست ملك للجيل الحاضر وانما ملك لجميع الأجيال القادمة وعدم إدارة انتاج هذه المادة النادرة إدارة جيدة انما يعني إساءة الى ثروات الأجيال القادمة.
موضوع "التقشف" كان هم كاتب اخر , لان ليس من العدل " ان يتقشف الفقراء كما يتقشف الأغنياء" , لان الأغنياء لديهم ما يسد حاجاتهم وكثر وان ارتباطاتهم السياسية والتجارية تمنع انحدار مستواهم المعاشي ويصبح بموازاة مستوى معيشة الفقراء . ولكن استقطاع حتى نسبة بسيطة من راتب الفقراء سيكون عائق كبير امام اشباع حاجاتهم الضرورية , بعكس الأغنياء وأصحاب الارتباطات فان فرض نسبة ضريبية على دخولهم سوف لن يؤثر على مستوى معيشتهم وذلك لانهم يستطيعون تحويل تكاليف الضرائب الجديدة على الاخرين .
بينما توثر الإجراءات التقشفية على جميع مواطني البلد , الا ان تأثيرها الاقتصادي اكبر على الفقراء ولكن غير مباشرة. الدولة ليست لديها خطط لفرض الضرائب على المواد الاستهلاكية وانما على مواد تعتبر كمالية او مواد ليست موجودة في ميزانية الفقراء أصلا مثل السياحة او السيارات الحديثة. الخوف على الفقراء ربما يأتي من إجراءات تخفيض الميزانية والتي تترجم الى تقليص فرص الوظائف الحكومية والى تقليص المشاريع الحكومية التي تعتبر المصدر الأكبر في تشغيل الايدي العاملة.
كاتب اخر اختصاصه الاقتصاد ولكن مشهور بانتقاداته اللاذعة للأحزاب الشيعية , بعض الأحيان تخرج عن قواعد الادب والأخلاق , كتب مقالة بعيدة جدا عن الاقتصاد ولكنها قريبة جدا من السياسة وتجريح الاخرين . الكاتب بدأ بتصوير حالة الاقتصاد العراقي بعد دخول داعش الموصل واحتلاله مناطق واسعة من غرب ووسط العراق والذي انتج عنه ارتفاع نسبة الفقر الى اكثر من 30% من مجموع سكان العراق , إضافة الى وجود 20 الى 25% من هم اعلى من خط الفقر بقليل . الكاتب , وكعادته, لا يترك مقالته بدون اتهام خصومه والهجوم على قامات عراقية وطنية . هذا الكاتب لا يتوقع نجاح السيد حيدر العبادي في القضاء على الازمة المالية وتحقيق السلم الأهلي في العراق بدون استشارة من نزلاء " سراديب النجف" , في إشارة له الى المرجعية الدينية العليا والتي تعود أعداء الوحدة الوطنية و الطائفيون استخدمها ضد المكون الشيعي. هذا " الاقتصادي " الغير محترم لم يشخص أي عقبة قانونية او اقتصادية او سياسية لتحقيق البرنامج الحكومي الذي جاء به السيد العبادي , وانما وجد عقبة ثانية بعد عقبة " سراديب النجف" امام تحقيق السلم الأهلي والتنمية الاقتصادية وهي عقبة الحشد الشعبي الذي اعتبره حشد غير وطني وعائق امام تحقيق طموحات السيد العبادي , وهكذا يضيف هذا "الاقتصادي" مغالطات إضافية الى سجل مغالطاته الطويلة .
العجز المالي واخبار فرض الضرائب احيا "كتلة فقراء العراق "من سباتها والتي تأسست بتاريخ 19 أيلول 2010 ولم نسمع عنها. الكتلة او مسؤولي الكتلة قررت المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان القادمة وسوف يحق الترشيح كل عراقي لا يملك قوت سنته اومن لا يملك دخلا شهريا , اومن لا يملك سيارة ولا خدما ,او من لا يملك دارا , او من لا يملك رصيدا , او العاجز عن العمل ولا يملك راتب من الدولة , او من لا يملك تكاليف مصاريف علاجه او علاج احد افراد اسرته.
الدعوة ذكية وجاءت في وقتها المناسب، حيث ان اغلب الشعب العراقي استقبل اخبار اتجاه الدولة لفرض الضرائب بالرفض والاستهجان , كما وان شروط الانتماء الى هذه الكتلة سهلا جدا , فهي خالية من شروط النزاهة , الشهادة العلمية , او تاريخ المرشح السياسي او الوظيفي . بعد داعش أصبح نصف الشعب العراقي من الفقراء وهكذا تستطيع هذه الكتلة الدعوة ان عدد المنتمين لها أكثر من نصف الشعب العراقي والنصف الاخر موزع على الكتل السياسية العراقية الكبرى. المشكلة مع كتلة فقراء العراق انها لم تفتح المجال للطبقة الوسطى والتي تعتبر المحرك الأساسي للازدهار الاقتصادي والسياسي والثقافي ولكن اذا استطاعت النجاح بجمع عدد كبير من الفقراء تحت مظلتها فستكون بدون شك هي من يقرر مستقبل العراق.
خروج عدد كبير من الفقراء يتظاهرون في شوارع المدن المهمة باب اخر للضغط على حكومة بغداد لمعرفة اين ذهبت المليارات من الدولارات طيلة السنوات 11 الماضية وهذا ما دعا اليه كاتب اخر. الكاتب اعتبر ان الشعب لم يحصد من التغير غير الفقر والبطالة والمرض وبيوت الصفيح والعشوائيات وغياب البنى التحتية , وان ما يجري من فساد مالي واداري لا يقل عن فرهود 1948 لليهود , الاكراد الفيليون في عام 1980 عندما اسقط صدام حسين الجنسية العراقية منهم , وفرهود الحواسم عام 2003 التي تعرضت له دوائر الدولة العراقية , المتاحف , والقصور الرئاسية . الكاتب عزا أسباب العجز المالي الى الرواتب الخيالية للقيادات الحكومية والسياسية , ظاهرة الفضائيون في دوائر الدولة , وظاهرة غسيل الأموال . لا نشك بوطنية الكاتب وحبه للوطن ولكن مقترحاته لا تحل مشكلة العجز المالي في العراق , وربما تعقد المشكلة الاقتصادية . نعم حجم عدد العاملين مع الرئاسات الثلاث هو عدد كبير قياسا بحجم العراق السياسي والاقتصادي , ولكن ما العمل ؟ هل نضطرهم بترك وظائفهم؟ اين يذهبون؟ ان فصل او انهاء خدمات عدد من الموظفين سواء كانوا محسوبين على السلك المدني او العسكري سوف يضيف مشكلة اخرى , وهي زيادة في عدد العاطلين عن العمل . ارجو الانتباه الى ان خبرات موظفي الدولة لا يمكن بيعها وانهاء خدمات موظف يعني انهاء حياته العملية , بعكس عمال البناء او المهندسين او الأطباء . الطبيب الذي يخسر عمله في محافظة الانبار من السهولة عليه العثور على عمل ثاني في محافظة السليمانية او البصرة او المثنى . اما كثرة عدد الفضائيون في دوائر الدولة فهي مشكلة يجب على المسؤولين محاربتها بكل قوة وذلك لكثرة مخاطرها على الامن والاقتصاد وثقافة الشعب العراقي . كثرة الفضائيون في الأجهزة الأمنية يعرض الامن الوطني الى الخطر , وكثرة الفضائيون يعرض الاقتصاد الوطني الى خسائر جسيمة من ناحيتين الأول هو دفع رواتب واجور لأفراد بدون انتاج مقابل وثانية خسارة المجتمع من الإنتاج المفترض من العمال الفضائيون . الدولة يجب عليها البحث عن المزيد من الفضائيون والتفكير الجدي بأحياء المشاريع والمصانع المعطلة حتى يرجع عمالها لها لأنها تدفع أجور ورواتب 300 ألف موظف وعامل بدون عمل ساعة واحدة في الوقت الحاضر. ان رجوع العمال الى أعمالهم والكشف عن المزيد من الفضائيون بدون شك سوف يوفر على الميزانية مبلغ لا يقل عن 5 مليارات دولار.
بينما كثرة اعداد الفضائيين في دوائر الدولة يودي الى إهدار أموال الدولة , فان ظاهرة غسيل الأموال تؤذي الاقتصاد الوطني من طريقين . الأول هو تقليص ثروة البلاد , حيث ان خروج مبلغ 5 مليون دولار بالطرق الغير شرعية يعني انخفاض ثروة البلاد بمبلغ 5 مليارات دولار . ثانيا , تهريب الأموال الى خارج البلد يعني حرمان البلد من استثمارها . ان ظاهرة غسيل الأموال تعني كثرة الفساد المالي والإداري للبلد ويجب محاربته , حيث ان من غير المعقول الاستمرار بحلب بقرة بدون تقديم العلف الكافي لها .
كاتب اخر اقترح حلا سهلا جدا لحل مشكلة الإساءة واهدار الأموال العامة وخلاص الشعب من الفقر والحرمان والامية والمرض ومن بيوت الصفيح والعشوائيات وهو " فتح مصرفي لكل مواطن عراقي , يتم تحويل مبلغ حصته النفطية خلال شهر اليه ويقوم المواطن بالصرف على نفسه , هو بمعرفته وطريقته , كيف شاء ومتى يريد" . اقتراح معقول وسهل كل ما تحتاجه الدولة هو توزيع العوائد من النفط على كل مواطن عراقي بدون النظر الى هويته المذهبية او الدينية او القومية , وبدون النظر الى عمر المواطن . فلو كان مجموع العوائد النفطية 140 مليار دولار , فسيكون نصيب كل مواطن حوالي 4000 دولار ( على فرض ان عدد سكان العراق 35 مليون نسمة) , وعليه فان عائلة من خمسة نفرات يكون دخلها السنوي من عواد النفط ما يعادل 20,000 دولار. ولكن هذا الاقتراح يصطدم بقوة بعدد من العقبات. الأول ,هو ان الصادرات النفطية عرضة لتقلبات السوق والإنتاج , وان هذه التقلبات بدورها سوف تقع على كاهل المواطن العراقي . ثانيا , عدم وجود نظام مصرفي متقدم يستوعب حسابات 35 مليون مواطن . المشروع يحتاج الى عدد كبير من المصارف والى كادر مصرفي متقدم لا يمتلكها العراق الان. ثالثا، والاهم , ان النفط يشكل 90% من مجموع الميزانية , أي لا يوجد دخل الا 10% من غير الموارد النفطية . عشرة بالمئة من حجم الميزانية لا يكفي تغطية مصاريف نصف حاجة وزارة الدفاع والداخلية. حتى لو افترضنا ان العشرة بالمئة كافية لتغطية تكاليف الامن , السؤال هو كيف ستغطى كلفة بناء الشوارع العامة ؟ المتنزهات؟ المستشفيات؟ المدارس؟ بنايات المحاكم؟ السدود؟ المطارات؟ والموانئ؟ بل من سيدفع رواتب واجور 4 ملايين موظف وعامل في دوائر الدولة , المدنيين والعسكريين ؟ كلفة هؤلاء لا يقل عن 50 مليار دولار سنويا . لا تستطيع الدولة الاستغناء عن جميع موظفيها وعمالها , لأنها لا تستطيع تسيير شؤونها بدونهم . عندما تنضب ميزانية الحكومة الفدرالية الامريكية تضطر الحكومة بأغلاق دوائرها حتى التوصل الى تفاهمات بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. لا يوجد انسان يعمل بالمجان , المواطن يعمل ليوفر الاكل والشرب الى نفسه وعائلته .
المقترح جيد اذا كان الاقتصاد العراقي يعتمد على نظام السوق 100% وهذا مستحيل في العراق , لان هناك مشاريع لا يمكن منحها الى القطاع الأهلي او الأجنبي لخطورتها على الامن والاقتصاد الوطني . الطرق العامة يجب ان تكون تحت رعاية الحكومة الفدرالية وكذلك الجسور , السدود , الموانئ , المطارات , الدوائر البريدية , التعليم , والصحة . كما وان نظام السوق لم يبرهن كفاءته في توزيع الدخول . بالحقيقة , كلما اقتربت النظم الاقتصادية اكثر الى نظام السوق كلما زادت الهوة بين دخول مواطنو البلد الواحد . على سبيل المثال , 10% من الشعب الأمريكي يملك 90% من مجموع الدخل , 90% من المواطنون يتقاسمون 10% من مجموع الدخل . مشكلة تعاني منها جميع الحكومات الامريكية المتعاقبة , ولولا المساعدات الحكومية المتنوعة للطبقات الفقيرة لكانت الاضطرابات السياسية والأمنية تغطي الساحة الامريكية .
الدولة تستطيع توزيع العوائد النفطية على المواطنين كما تفعل ولاية ألاسكا الامريكية بعد ان تتحول جميع القطاعات الاقتصادية بيد القطاع الخاص وبعد ان يشرع قانون النفط والغاز ويكون لدي العراق نظام ضرائبي قادر على احتساب حصة الحكومة الفدرالية والحكومة المحلية من الموارد النفطية. في مثل هذه الأحوال تستطيع المحافظات النفطية والتي تملك ثروة مالية فائضة توزيعها على مواطنيها وليس على جميع أبناء الوطن كما يفهمه البعض . على سبيل المثال , وجود قانون للنفط والغاز سوف يسمح لمحافظة ميسان ( محافظة نفطية) توزيع الفائض المالي لديها على أبناء ميسان وليس على أبناء بغداد او بابل او النجف الاشرف . لا أحد يتوقع استخدام هذا الأسلوب ولسبب بسيط هو ان أحوال المحافظات النفطية ليست أحسن من أحوال المحافظات الغير نفطية. المحافظات النفطية وخاصة الجنوبية منها مازال نسبة كبيرة من طلابها يتعلمون في مدارس من طين , وشوارعها تغلق أيام الامطار بسبب عدم وجود مجاري المياه , وتعزل مدنها بسبب الامطار . انهم يحتاجون سنيين ربما أطول من معدل عمر الانسان العراقي لإكمال البنى التحتية في مدنهم .
الشيء الجميل من كل الكتابات التي ظهرت على المواقع الالكترونية هو ان بعض الكتابات علمتنا عن كيفية تعامل ديننا الحنيف مع سراق المال العام وما هو عقابهم في الدنيا والاخرة. الأستاذ الكاتب جابر شلال الجبوري في مقالته تحت عنوان " الى/ كل حرامية العراق يرجى قراءة هذا المقال" عدد فيها آيات من الذكر الحكيم وبعض الاحاديث النبوية الشريفة التي تتعامل مع سراق المال العام منها قوله سبحانه وتعالى " ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون" , واحاديث نبوية شريفة منهاما قاله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع " فان دماءكم واموالكم واعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا , في شهركم هذا" , وقوله عليه الصلاة والسلام " بايعوني على الا تشركوا بالله شيئا , ولا تسرقوا ولا تزنوا" . اما عدنان سريج في مقالته " الاشعث مازال يسرق المال العام " فقد استخدم قول جميل لسيد قريش بعد رسول رسول الله وعظيم هاشم سيد المتقين علي بن ابي طالب وهو يحذر احد ولاته قائلا " اما بعد , فقد بلغني عنك امر , ان كنت فعلته فقد اسخطت ربك , وعصيت امامك , بلغني انك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك واحلت ما تحت يديك , فارفع الي حسابك , واعلم ان حساب الله اعظم من حساب الناس".
مقالات اخرى للكاتب