الأمم تحيى برموزها وشواخصها ودلالاتها المضيئة التي تؤطر حياتها وتغرس بصمات تاريخها متجذرة ومتمددة في أرضٍ صلبة غير رخوة لا تجرفها الرياح رغم تحدي المحن والصعاب ,فدماؤنا وأشلاؤنا لازالت تحاكي وتؤرق منابر الموت التكفيرية التي روجت لثقافة القتل الوحشي ,لازال طيف بناتنا وضفائرهن وحقائبهن ومناهج التدريس شواهد وشواخص تشير لهمجية القاتل بسياراته المفخخة وأحزمته الناسفة على مدارسنا,سيارات حطمت احلامنا وسرقت ابتساماتنا شوهت نعمة الحياة لم تبقي معلماً حضارياً وأثرياً الا ودمرته بموادها من (التي أنتي والسيفور ) المحشو بالمسامير والبراغي لقتل أكبر عدد من الأبرياء ,كنت أتساءل لماذا لا يكون لدينا متحف يؤرشف هذه الحقبة للأجيال القادمة نستجمع فيه الدلائل التي تدين همجية فعل المرتكب الذي لم يراعي حرمة لأي جانب أنساني ,متحف نضع فيه براءة ثياب الاطفال وفساتين الطالبات والكتب التي تلطخت بالدماء ,معول ومسحاة وفأس العامل الذي تناثرت اشلائه في (مسطر العمالة ) وزي رجال الشرطة والجيش الاشاوس الذين يدافعون عن أرض الوطن,متحفاً فيه عقال اباؤنا وعمامنا وأخوالنا وعباءات أمهاتنا الطاهرات,وضفيرة أبنتي السوداء البريئة وشرائطها الملونة وصدريتها البيضاء كأنها ملك من السماء ,وصور تنطق عن ماخلفته الانفجارات ,نريده متحفاً …أسوةً بباقي الدول التي تصنع شيء من لا شيء وتجذب سياح له وتجني ألأموال جراء مشاهدة بعض الصور أو الهياكل لأسلحة حربية ومناظر مروعة تتحدث عن مأساة الشعوب جراء الحروب وأثارها المدمرة لكننا لدينا أِشياء كثيرة وعظيمة نفتخر بها أمام أنفسنا والعالم … أشياء اصغرها وأبسطها هي تكون متحف بحد ذاتها ,كان المتحف الحربي البريطاني في لندن وبصراحة أكثر جرأة منا عندما جمع حطام سيارة دمرها انفجار في العراق لتكون شاهدا على حياة العراقيين خلال السنوات السبع الماضية, ويجلس هيكل السيارة الصدئ وسط القاعة الرئيسية للمتحف الحربي الامبراطوري محاطا بأشد ما صنعه الانسان من الأسلحة فتكا خلال الأعوام المئة الماضية في رسالة بسيطة مؤداها: هذا ما تفعله الحرب, وكان الفنان البريطاني جيريمي ديلر نقل حطام السيارة من بغداد ليبين تغير اساليب الحرب الحديثة ويلفت الانتباه الى الارتفاع الحاد في ضحاياها من المدنيين الأبرياء, السيارة دُمرت في عملية انتحارية في بغداد اوقعت ثمانية وثلاثين قتيلا وعشرات المصابين في شارع المتنبي وسط بغداد عام 2007. ومن هنا وجد الفنان ان عبارة “5 آذار/مارس 2007” تكفي عنوانا للقطعة المعروضة,ويأمل المتحف بأن يكون حطام السيارة وخزة ضمير تفتح العيون على ما يعانيه المدنيون في الحروب,وقال الفنان ديلر : انه لم يستطع ان يفكر في مأوى افضل لحطام السيارة من بريطانيا معربا عن سعادته لموافقة المتحف الحربي الامبراطوري البريطاني على اضافة السيارة المحطمة الى مجموعاته وعرضها في صالة متميزة من اقسام المتحف, وأوضحت مديرة المتحف الحربي ديان ليز ان الفنان ديلر قام بجهد كبير لإيصال هذه القطعة الى بريطانيا وابدى بصيرة فنية حساسة في اختيارها رمزا لأهوال الحرب,ونقلت صحيفة الغارديان عن ليز ان المتحف الحربي البريطاني يأمل بأن تكون المعروضة اضافة تستحث التفكير الى مجموعاته الدائمة وتشجع الزوار على النظر الى جميع معروضات المتحف الحربي وليس هذه السيارة فقط من زاوية جديدة وفي ضوء جديد,وستنتقل السيارة الى المتحف الحربي البريطاني في مدينة مانتشستر في نيسان/ابريل القادم , وكانت السيارة عُرضت في متحف نيويورك الجديد العام الماضي ضمن مشروع فني نفذه الفنان قبل ان يتبرع بها الى المتحف الحربي البريطاني .
مقالات اخرى للكاتب