من المؤكد أن لغة العفو عن المقدرة هي من سجايا الكرام لا يفهمها الا الرجال الذين يترفعون بنفوسهم عن الحقد الاعمى ويؤمنون بثقافة الحب والتسامح التي تطغي بمكارمهم على ثقافة الكراهية ...أنهم رجال الشدائد والأزمات علينا أن نبحث عنهم بين زحام فوضى انصاف الرجال واشباهم ,يُذكر أن سفانة أبنت كريم العرب حاتم الطائي قبل الاسلام عندما جيء بها اسيرةٌ مع قومها الى رسول الرحمة (ص) بعد غزوة قام بها المسلمون ,فوقفت تقول له : يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي منّ الله عليك ، وخلِّ عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي كان سيد قومي ، يفك العاني ، ويعفو عن الجاني ، ويحفظ الجار ، ويحمي الذمار ، ويفرج عن المكروب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ويحمل الكَلَّ(الضعيف) ، ويعين على نوائب الدهر ، وما آتاه أحد بحاجة فرده خائباً ، أنا بنت حاتم الطائي ،فرد عليها رسول الله { ارحموا عزيز قوم ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع بين جهّال}فاستأذنته بالدعاء ، وقالت : أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سبباً في ردها .
لا يستطيع اللؤماء فعل أي عملٍ فيه الخير للناس ومساعدتهم وقضاء حوائجهم لأنهم يعيشون الانكسار والانحسار الحقير الدنيء الذي يقودهم لنسج شباك المكر والخديعة واستخدام اسلوب التشويه والتسقيط لمبتغى معين بحق احرار الرجال ,ينتظرون أية فرصة ليسددوا ضربتهم ليشفوا غليل حقدهم .
ليس غريباً على النبي الاكرم هذا السلوك والمنهج فهو تربية السماء التي تريد من الانسان أن يكون معبئاً ومحملاً بالإنسانية متحرراً من العبودية الذاتية ,فعل كما فعل عندما دخل مكة وهم يتساءلون ماذا سيفعل بهم ؟وكيف سيحاسبهم وبأي لغة ؟وهم الذين لم يبخلوا بأي إساءة قاموا بها ضده وضد أصحابة في بداية فجر الرسالة الذين ضحوا من أجل قضية ومبدأ هم على يقين منها فقال لهم :((يا أهل مكة أو يا معشر قريش : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم 0 قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء )) ولله در الشاعر حيص بيص أبن الصيفي حين قال :
مـلكنا فـكان الـعفو منا سجية ...فـلما مـلكتم سـال بالدم أبطح وحـللتم قـتل الاسارى وطالما ...غدونا عن الأسرى نعف ونصفح فـحسبكم هـذا الـتفاوت بيننا ...وكـل إنـاء بـالذي فيه ينضح
كنت أسال نفسي مراراً وتكراراً كيف يمكن لأناس ان يلوثوا التاريخ ويشوهوا الحقيقة ؟أين ضمائرهم ومواقفهم وثوابتهم ؟أين عقاب الله وعقاب الضمير ؟من يستطيع الهروب منهم وهو غائص في بحر ذنوب نفاقه وبهتانه على الناس وهما اخطر الامراض الاجتماعية التي يبتلى بها المرء ؟ الله اعلم بسرائر عباده وما تخفي فيها ,لست في صدد المدح والثناء ,وما قيمة مديحي فيه ؟ فمن أنا امام من أمتدحه الباري وأرسله رحمةٍ للعالمين وهدى للناس لينقذهم من الظلال ويضعهم على طريق النور والهداية ,لكن عتبي لمن يستخدمون التقية ويحلفون بالله وبرسوله كذب لأجل موقف زائل ,فكيف بهم وهم سيقفون امام الله من سينجيهم منه ؟حيث لا عشيرة ولا منصب ولاجاه ولا مال ولا قوة ستنفع معهم الجميع سيخضعون لعدالة السماء وهي كفيلة بمن يسيئون ويفترون على الناس كذبا وبهتاناً.
مقالات اخرى للكاتب