منذ أسابيع تسيطر المخاوف من انهيار سد الموصل على وسائل الاعلام وجدالات الساسة والخبراء والمحللين بينما تسير حياة الناس بلا مبالاة ودون ادنى انشغال بهذه المخاوف التي لم تبلغ حتى مستوى الثرثرة العجولة لإهدار الوقت فالناس منشغلون بسعر النفط والرواتب لقد نسوا الموصل نفسها فمابالك بسدها؟، واذا كانوا نسوا جفاف الاهوار الحاصل فعلا فهل ينشغلون باحتمالات انهيار سد الموصل؟!!.
حكاية ضعف سد الموصل معروفة منذ ساعة انشائه في ثمانينيات القرن الماضي وحتى عندما ارادت امريكا زيادة جنودها في العراق بعد سقوط الموصل بيد داعش في حزيران 2014 تذرعت بالخوف على سفارتها في بغداد من الفيضان اذا ما فجر الدواعش سد الموصل وصارت هذه الحكاية نكتة فقد استعادت الفرقة الذهبية وقوات البيشمركه السد من داعش وواصلت واشنطن زيادة قواتها لأغراض التدريب والاستشارة منذ ذلك الوقت، حكاية انهيار السد مملة ومتشعبة فنيا وعسكريا واقتصاديا، وفيها منتفعون، لكن الثبات انها كابوس قد يتحقق في اية لحظة.
في البلدان النهرية، ومنها العراق، ينعكس ضعف الدولة وتراجع هيبتها وفوضى ادارتها على ادارة المياه، فكما تتجه الدولة النهرية القوية الى تنظيم الري وبناء السدود وشق الانهر، تفقد الدولة النهرية الضعيفة او المنهارة سيطرتها على المياه وتتراجع قدرتها على ترميم السدود وفرض الالتزام بالحصص المائية بين اجزاء البلاد ومناطقها، وفي النهاية تحدث الكارثة وتبدأ السدود بالانهيار، الدولة التي لاتعرف في هذا الزمن كيف تدير اموالها لن تعرف بالتأكيد كيف تدير مياهها، والدولة التي تبقى تراقب او تتأمل انهيار سلطتها في محافظاتها تباعا دون ان تفعل شيئا ستبقى تراقب وتتأمل انهيار سدودها وتدفق مياه الطوفان، هذا قد يحدث اليوم او غدا او في اي لحظة مادمنا في نظام فقد السيطرة على كل شيء، من سلاح العشائر الى مزاد الدولار.
في الاصل، كانت هذه الارض أرض الطوفان الأكبر في الذاكرة الانسانية، الطوفان الذي ابتلع كل شيء وغمر عار الانسانية وظلمها وفوضاها وقسوتها وفسادها في هذه البقعة التي كانت كل العالم بحسب الذاكرة الدينية والاسطورية، ولأن هذه الارض هي ارض الكوابيس التي تتحقق بأسوأ صورة ممكنة فإن الطوفان الذي سيحصل سيكون الاسوأ أيضا، لا أتحدث هنا عن طوفان محدد بل طوفان ما يكون نتيجة للضعف والتهتك في اجهزة الدولة التي لايمكنها تحديد ما يحدث فعلا في سد الموصل والتي لاتمتلك الا بيانات التهدئة، الدولة التي لسبب ما لايمكنها تقديم صورة واثقة واكيدة عن احدى محافظات البلاد.
ضعف الدولة يؤدي الى انفلات كل شيء ومن ذلك المياه، لماذا نتوقع ان ادارة المياه في العراق تختلف عن ادارة اي ملف آخر؟، لماذا نظن ان مشاريع صيانة السدود لايشوبها الفساد والفشل حالها حال بقية كل المشاريع العراقية؟، لكن يمكننا ان نعتمد على التجاهل للعيش حتى يتحقق كابوس آخر في هذا الوطن.
مقالات اخرى للكاتب