كنت صغيراً أو بالتحديد في طور المراهقة ويومها أحببت أن أتعلّم أصول الصلاة لأن أحد أصدقائي كان ينتقص مني عندما كنت أؤدي فريضة الصيام وأهمل الصلاة !. كان صديقاً لوالدي رحمه الله ويطلق عليه سيّد علي ، يعمل في سلك الشرطة وبالتحديد في قسم الأدلة الجنائية ، حيث تم نقله من محافظة النجف مسقط رأسه إلى مدينة الموصل ولأنه كان لا يكتفي بمصدر دخله من وظيفته ، افتتح محلاً لبيع الأدوات الاحتياطية في الموصل بالقرب منطقة باب سنجار ولأن الصدفة كثيراً ما تحكم تصرفاتنا نحن العراقيون ، راجع والدي محلّه يوماً وبعد السلام وغيره سأله الرجل عن اسم شخص كان يعمل سائقاً لسيارة حمل يطوف بها البلدان ، تعجب والدي ، كون من يسأل عنه الرجل ، كان هو !. تواصل الحديث بينهما فعرف أبي أن ابن أخيه الحاج عدنان إسماعيل الندّاف تاجر الأدوات الاحتياطية في النجف قبل أن ينقل عمله إلى شارع الشيخ عمر في بغداد ، هو من أوصاه أن يراجع أبي في حال احتاج الرجل أي شيء ومهما كان .. من يومها والرجل أصبح صديقاً لأبي وللعائلة. الرجل نجفي وأبي جذوره من النجف وهذا ما وطّد العلاقة بينهما كثيراً .. كان مكتب التحريات الفنية قريباً من بيتنا ، كنّا نراجعه ونناديه (عمو سيد علي) ، كان يفرح بنا ، حتى اقتنع أن ينقل أهله إلى الموصل ويشتري داراً في منطقة (وادي العين) القريبة من موصل الجديدة .. عندما تأثّرت بحديث صديقي الذي انتقص من صومي ، ذهبت إلى (عمو السيد علي) وحكيت له الحكاية .. طب ، طب على كتفي ثم دعاني إلى النهوض معه والذهاب إلى (صنبور) الماء ، فعلّمني أصول الوضوء ، ثم فرش سجادته وأخرج من كيس صغيرٍ يحمله معه (تربة) وضعها أمامه وطلب مني أن أقلّد ما يقوم به !.. قبل الشروع بالصلاة ، سألني الرجل أي صلاة أريد أن أتعلّمها ، (مكتوف اليدين أم سابلاً إياها) ، بهت ولم أعرف بماذا أجيب ، لأني حقيقة لا أعرف !.. وجد الرجل حلاً مثالياً ، حيث راح يعلّمني الصلاة مرّةً (مكتوفاً) وأخرى (سابلاً) وأخبرني أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم ، قام بأداء الصلاة بكلتي الطريقتين وهما صحيحتان والأمر متروك لي لأداء أيٍ منهما !.. من ذلك اليوم وكلّما هممت إلى الصلاة ، كنت أصليها تارةً مكتوفاً وأخرى سابلاً ، كما أني لم أسأل يوماً عن من يعتنق هذا المذهب أو ذاك وبقي الأمر عندي سيان .. كبرت وخدمت في الجيش وتعرّفت على مختلف المذاهب والأديان وكنت رغم أني لا أؤدي الصلاة إلا في المناسبات ، أصلي مع أي مجموعة أراها أمامي ، (مكتوفاً أو سابلاً) !.. لم يسألني أحد عن صلاتي وطريقتها ، أصبت في المعركة بجروح عديدة وكثيرة ، تعاون على إنقاذي وإيصالي إلى وحدة الميدان زملاء بينهم العربي والكردي والسني والشيعي ، من الموصل والبصرة والكوت وبغداد ... تمرّ الأيام ويرزقني الله بثلاثة من البنين وبنت واحدة بعد رحيل شقيقتها بسبب أحداث الموصل عام (2004) !. أسميتهم على التوالي ، وفاء والنورس وعمر و(عبير) واحمد .. سبب هذه المقدمة هو الاسم الأوسط وابني الوسط (عمر) ابن أل(16) سنة الآن ، الذي دعي لتمثيل منتخب تربية نينوى لكرة القدم ساحات مكشوفة وكان عليه السفر إلى محافظة كربلاء المقدّسة .. بصراحة (كنت وأمه خائفان عليه بسبب ما نسمعه عبر الإعلام أو الطابور الخامس) لأن اسمه عمر !!.. عقدت العزم بعد التوكّل على الله أن أترك له حرية خوض التجربة في أوّل سفرة خارجية له ولوحده وإلى أين ؟ إلى كربلاء المقدّسة .. أعطيته بعض النصائح التي يقدّمها كل أبٍ لابنه المسافر ، رحل عمر باتجاه كربلاء ، حيث كان عليه المرور بطريق الموصل ، تكريت ، سامراء ، بغداد ، المسيّب ، كربلاء .. كنت قلقاً عليه ، لذا اتصلت بالزميل الصحفي المرشّح لعضوية مجلس محافظة كربلاء (ميثم داعي الحق) وأخبرته عن قرب وصول ابني عمر إليهم ، أعطاني أرقاماً واستحلفني أن أعطيها لكل أعضاء وفد الموصل ومن يحتاج منهم أي شيء ، عليه أن يتصل به وسيكون بخدمتهم .. وصل عمر ولعب عمر ومن ثمّ عاد عمر إلى الموصل بكامل الصحة والعافية ، حيث راح يتحدّث عن تجربته الأولى وكيف لقي من الترحاب ما لم يكن يتصوّره أو يحلم به ، أجل لقد أفاض عليّ (عمر) بمعلومات استقرت في ذاكرته ولا أعتقد أنّها ستفارقها طول العمر ، لأنّه كشف لي كيف كان الجميع يتعاملون معه على أنّه المصلاوي (عمر) وكيف ارتبط مع الكثيرين من كربلاء والنجف وبغداد والبصرة وغيرها من المحافظات بصداقاتٍ أقسم أن يديمها ويحافظ عليها .. بل أنّه ولفرط الحفاوة التي شاهدها بأمّ عينه من الأحبّة في كربلاء الذين كان كرمهم لوفد الموصل لا يوصف وله على وجه الخصوص سواء من صاحب الفندق أو العمال أو من كان يلتقي بهم في الشوارع والمتنزّهات والحضرة الحسينية والتي وثّقها جميعا بالصوّر وأفلام الفيديو ، لكي يريها لأصدقائه في الموصل ويشرح لهم عن زيف ما يتناقل عبر الإعلام العربي أو البعض من الإعلام العراقي (المريض) ، حول كراهية عمر لعلي أو علي لعمر !.. أجمل ما سمعته من عمر ابني والذي يفخر أن جده لأبيه الذي يأتي بالتسلسل الرابع ، يحمل اسم (عبد الحسين) ، لذا ما كان من عمر إلا أن يخبرني بأمنيته وهي إن تزوّج ومنّ الله عليه بولدٍ ذكر أن يسميّه (علي) لتكون كنيته (أبو علي) والتي راح يستخدمها منذ عودته ويصر أن ينادى بها ... هذا ما كان لعمر في كربلاء ، فهل رأيتم فعل الرياضة وما يمكن أن تقوم به أو ترسّخه من حقائق ، أراد البعض أن يشوّش عليها ؟!.. طب نفساً يا عمر أو أبا علي كما تحب أن أناديك ، فوالله تبقون أنتم الحقيقة التي ما بعدها حقيقة لتكررها ، بعد الذي أخبرتني فيه وأنت حرّ بالسفر إلى أي مكان تحبه في أرضك وارضي وأرضنا كلّنا ، إنّه العراق والدنا جميعاً بأنبيائه وأئمته ورجاله الصالحين ومراقده وحسينياته وجوامعه وكنائسه ومعابده .. الله على بلدي ومن يعيش فيه ... على فكرة بت أفكّر أن أسابق ابني عمر وأتهيأ لأساهم بإنجاب ولدٍ جديد أسميه علي ، ما رأيكم ؟!.. دمتم ولنا عودة ....
مقالات اخرى للكاتب