صورة من صور مآسي الطفل العراقي..هذه حقيقة وليس خبر..ستبقى في ذاكرة العقول كل سنين الدهر..وسيخلدها التاريخ في سجلات وكتب.. ويكتب عنها الشعراء قصائد شعر ..ويسردوا عنها الادباء قصص وحكايات ونثر..وينقشها النحاتون في الحجر..وتكون لحنا ونشيدا سومريا يغنى بكل لغات البشر.. مع دوي الانفجار..توقف الزمن..وتعطلت ذاكرتي..اصبحتُ رغما عني يتيمة..بلا معيل..بلا سند ولا ظهير..تحول المكان الى ظلام دامس ودخان.. شممت غبار الحقد والكراهية.. الفوضى اللاانسانية ملئت المكان وماحوله..شعرت باختلال توازني ..وضيق في صدري كدت اختنق ..وبعد ان عادت لي ذاكرتي..وانكشف الغبار..وجدت ابي ممددا وملقى امامي..مضرجا بدمائه ودماء من كان بقربه..وهو في حالة سكون تام..لاحراك ولانفس..صرخت وبكل مااملك من قوة رغما عني..بابا ..بابا ..بابا..هل اصابك مكروه..وكنت اتامل جوابا..ولكن كل شيء انتهى.. قتلوه الاوغاد وسفكوا دمه دون سبب..مات ابي..وماتت معه آمالي واحلامي..وبدأ الشقاء ..وبدأت رحلة العذاب..ياليتني متّ معه ..نظرتُ من حولي واذا اشلاء من الاعضاء البشرية والدماء المتناثرة في كل الاتجاهات..صور مرعبة ومخيفة.. تحكي قساوة الانسان على الانسان..صورة واحدة تجسدت امامي كانت تمثل الشر بكل عناوينه..هاهم الاشرار يحكمون على الرحمة بالاعدام..نعم هم هكذا يقتلون الرحمة في كل يوم وفي كل مكان..الم يقتلوا الام المرضع والحامل؟..والاب الذي يحمل خبزا لعياله؟..الم يفجروا الحسينيات والجوامع..ويفجروا البيوت والمقاهي؟..الم يحرقوا النخيل واشجار الرمان..ويحولون البساتين الجميلة الى ركام واطلال ورماد؟ عندها ادركت ان ارض بلادي اصبحت خصبة لزراعة الموت بدل الحياة.. يسقيها الغرباء من دماء الابرياء..لتنمو شجرة الظلم والحرمان بدل العدل والاحسان..هكذا هم الاشرار اين ماحلّوا يتركوا ورائهم الدموع و الاحزان..في المدينة والقرية وفي كل مكان..يزرعوا الشر في الارض وفي قلوب البشر.. قبل الانفجار بلحظات كان ابي يداعبني..وكان يمسك بيدي..ليدخل السرور والامان الى قلبي..وهاهو قد رحل عني..فمن يعيده لي؟ومن يعيد بسمتي وفرحتي؟ وقد اقترب العيد فمن سيطرق بابي؟ ومن يأخذ بيدي الى برّ الامان؟ طفولة تيتمت بين القتل والجوع..مستقبل مجهول بين فساد الحاكم وهمجية الارهاب..لانصيب لي في حياة تملأها آفات الموت المنتظر في كل ساعة على ارصفةِ الطريق ..زرعوا الموت في كل جانب.. متفجرات وقنابر..وهاهو ابي قد سقط امامي مضرجا بدماءه..الله اكبر اي قلوب تحملون..وانتم للموت كل يوم تزرعون..ايها المجرمون حولتم الحقول والبساتين الى مقابر..بعد ان كانت غاباتٌ جميلة يملأها النخيل و السنابل..وتغرد فيها كل انواع العصافير والبلابل..كل يوم تقتلون منا أحبة..وتتركوهم أشلاء وتكبّروا من على المنابر..ظناً منكم انه انتصار..ايّ انتصار انه الانتحار..وتظنون انكم بالقتل تحققوا احلامكم الشيطانية..فتباَ لكم ولاحلامكم ولكل الاشرار..وسينتقم منكم الجبار..وتخلدون في جهنم مع الفجار..وروح ابي ستحلق الى السماء مع الصالحين والابرار..لانه مات ولم يعرف الحقد..وكان يحب الناس والحياة مع الاخيار.. تبا لكم كيف تحكمون؟..جهادكم قتل وحكمكم جوْر ومظالم..ولكن رغما عنكم سأزرع مكان استشهاد ابي بالورود..واسقيها من الفراتين..ورغما عنكم ستزهر الورود..وتعود تغريدة البلابل والعصافير..لتعيد البهجة والسرور للوطن..للناس الطيبين..وداعا ابي الى جنات الفردوس والخلود..