بعد ان حددنا المعنى الحقيقي للتشيع وهو الإسلام المحمدي وعرفنا الإنسان الشيعي هو من إستند في جميع أعماله إلى السيرة العملية لعلي (ع) ، ومن ادعى التشيع ولم يتصف بصفات المتقين فهو كذاب أشر يؤثم على دعواه هذه كما قال الإمام الحسن بن علي (ع) في جواب رجل قال له إني من شيعتكم : فقال له : يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مُطيعا فقد صدقت , وان كنت خلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبةً شريفه لست من أهلها , لا تقل أنا من شيعتكم ...
ويتضح مما سبق ان التشيع ليس مذهبا قبال المذاهب المطروحة بل لا توجد في الاسلام مذاهب اصلا ، فالاسلام دين واحد ومذهب واحد {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } ولكن في الاسلام توجد اجتهادات وفهم مختلف للنصوص المباركة من الكتاب والسنة .. ان المذهبية نفسها لا تستند الى مصدراً تشريعياً مقبولاً في فقهنا الاسلامي او في ادلة احكامنا ، نعم الاجتهاد سيبقى حالة مقبولة عن علماء الاسلام بمختلف توجهاتهم .
والامام علي والأئمة من بعده لم يجذروا هذا الخلاف بين الناس ولم يدّعوا ان لهم مذهبا ، حتى ان امير المؤمنين (ع) كان مستشارا دينياً وسياسياً لابي بكر وعمر وقال الاخير فيه ( لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها أبي الحسن ) ، وكذلك الامام الصادق (ع) كان إماماً للكثير من العلماء من مختلف التوجهات الفكرية ، وكذلك ما يسمى بالمذاهب الأربعة كلهم كان هواهم مع علي (ع) فهذا الشافعي يتغنى في حب علي (ع) في أشعاره وكلماته، وهذا أبو حنيفة يساند ثورة زيد بن علي (رض) ويعترف بفضل الإمام الصادق(ع) عليه بقوله : ( لولا السنتان لهلك النعمان ) اشارة الى السنتين التين قضاهما في حلقة الإمام الصادق (ع) العلمية ، وهذا الامام احمد يؤلف كتابا من اروع الكتب في فضائل أهل البيت (ع) .
والكثير من علمائنا المتقدمين اسوة بأئمتهم الاطهار (ع) كان يحف بمنبرهم العديد من أهل العلم من غير الشيعة كالشيخ الطوسي وغيره من الأعلام، وبعضهم تتلمذ على أئمة بقية الفرق .
وما نلمسه اليوم من تقاطع وصراع وتراشق وجدال واتهام وتفرق بين أبناء الإسلام هو من اكبر المنكرات المنهي عنها في الشريعة الإسلامية لقوله تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وقوله جل ذكره { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } بل اكثر من ذلك فقد جعل القران الكريم وحدة الامة على موازاة وحدة الرب عز وجل جنبا الى جنب قال عز من قائل { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } أي ان مسألة وحدة الامة مرتبطة بمسألة وحدة الرب ارتباطا وثيقا، وكأن الامة اذا اختلفت فسوف لا يقبلها الله ، بوصفها امة هو ربها.
حتى ان بعض فقهائنا جعل وحدة الامة الاسلامية ركنا من اركان الدين كالتوحيد والنبوة استنادا الى الايات المباركات والاحاديث المتنوعة التي تصف المسلمين بالامة الواحدة مقابل الامم الاخرى وهذه المسألة طرحها النبي الاكرم (ص) لاول مره بعد الهجرة في اول معاهدة له مع اهل المدينة حيث قال ( ص) : ( ان المسلمين أمة واحدة من دون الناس ) .. وللحديث تتمه .
مقالات اخرى للكاتب