في غياب السلطة وعجزها عن ادارة الملف الامني قبل عشرات السنين في مناطق متفرقة من العراق ، كان اندلاع النزاعات العشائرية ظاهرة سائدة لاسباب تتعلق بملكية الاراضي وتقاسم المياه ، وفي اغلب الاحيان تكون اسباب نشوب المعارك بين عشيرتين تافهة ، لا تستحق استخدام السلاح الاسود والابيض من قبل الطرفين ، وتسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين ، والمعارك قد تستمر عدة ايام ، ويتخللها حرق الصرائف ، ونهب الابقار والاغنام والخيول ، والعودة الى "السلف " مكان اقامة العشيرة المنتصرة ، للاحتفاء بالنصر الكبير وسط ارتفاع زغاريد النسوة وهوسات النشامى ، ويتكرر المشهد في اليوم التالي ، وكفة الصراع تميل دائما لصالح الاقوى ، وهناك من يرفض الهدنة واللجوء الى الحلول السلمية لإيقاف القتال، ويقف عائقا أمام محاولات عقلاء القوم لفرض السلم.
زناد فرهود عرف بين ابناء عشيرته بانه رجل الصولات ، وصاحب الصوت المرتفع الداعي دائما لرفع السلاح واستخدامه حتى ضد ابناء عمومته ، طلبا لثارات مرت عليها سنوات طويلة ، وابن فرهود كان يعتقد بانه يتمتع بقدرات قيادية عسكرية ورثها من ابائه واجداده لانهم وبحسب رواية والدته كانوا خير من يجيد استخدام الفالات والخناجر " العفجاوية" نسبة الى قضاء عفج في حسم المعركة لصالحهم والحاق الهزيمة باعدائهم ، زناد اسم على مسمى ، ربما يكون اول شخص عراقي يفكر بإنشاء قوس النصر في قريته من سعف النخيل ليكون شاهدا تستمد منه الاجيال الجديدة قيم الشجاعة والدفاع عن العشيرة .
بعد كل صولة يقودها زناد فرهود يمر تحت قوس النصر ، الواقع بقرب مكان جمع روث الابقار" كبة المطال " المستخدم كوقود في الطبخ وسجر التنانير ، فستقبله والدته بقصائد المديح فتصوره وكأنه الاسكندر المقدوني قاهر ملوك و جبابرة عصره ، وفي لحظات الشعور بفخر الانتصار يعلن القائد هزيمة العدو ، مطالبا جنوده بالاستعداد لخوض منازلة اخرى ، للحصول على المزيد من الغنائم .
فكرة اقامة قوس النصر تعود الى عصور قديمة ، تبناها القادة العسكريون ليكون شاهدا على تحقيق نصر كبير فيقام في مداخل المدن ،على شكل بوابة كبيرة ،مشيدة من الحجر والرخام ، والنحت البارز على جدارنها يصور مشاهد من الحرب ، وصور القادة وجنودهم ، واقواس النصر في اكثر البلدان تحولت الى اماكن سياحية ، وفي بغداد اصبح قوس النصر داخل المنطقة الخضراء المحصنة ، ومن المفارقات انه شهد مرور الدبابات الاميركية اثناء توجهها الى القصر الجمهوري .
زناد فرهود دفعه غروره في احد الايام لشن صولة على مركز شرطة الناحية للحصول على السلاح والذخيرة ، لكن والدته منعته من القيام بهذه المغامرة ، لان الحكومة قوية ولديها الجيش والشرطة ولا احد يستطيع مواجهتها ، فاستجاب ابن فرهود للنصيحة ، واكتفى بالمرور تحت قوس النصر القريب من "المطال" ، و"السالفة" لا تحتاج الى رابط ورباط يا جماعة الخير .
مقالات اخرى للكاتب