يعكف الأكاديميون، وفي المقدمة منهم الأطباء، على شأنهم المهني، الذي يتطلب جهدا فائقا، يبلغ من 10 الى 16 ساعة قراءة يوميا، ومتابعة في مستجدات الطب وتجاربه واكتشافاته ومناشئ الادوية وآثارها وتقارير ونشريات المجالس العلمية والكليات العالمية ومعاييرها منظمة الصحة العالمية ومثيلاتها، تواصلا مع إشتراطات المهنة.. إجرائيا؛ لإيفاء إلتزاماتهم إزاء مرضاهم.. مثلا.
وكذا علماء الفيزياء النووية والفلك وسواها من شؤون العلم النخبوية، التي تسمى مهنا حاكمة، وتلك الحاكمية تعزلها عن قضايا جانبية، تشكل متنا لعموم المجتمع، لكنها هامش بالنسبة للأكاديميين، برغم ضرورتها وكونها عماد المجتمع وسر وجوده.. قادرة على الانعطاف به، من حال لحال، وأعني بها السياسة تحديدا.. السياسة لا فكاك منها، فهي أم الميادين كلها.. الطب وعموم العلم والثقافة بمفاصلها كافة.. الفن والادب والاعلام والجامعات واللياقة الاجتماعية وسواها.. لا يقتصر أثر السياسة على الاقتصاد والخدمات حصرا؛ إنما الرفاه الاقتصادي وإشباع حاجة المواطن من الخدمات، ناتج عرضي، لوجود أساسي.
ولأنها مؤثرة على مفاصل الحياة كلها، فمهنتنا كأطباء مشمولة بنواحِ تتحكم من خلالها السياسة بقدرتنا على تطبيق مجريات العمل، من حيث توفير ظروف صحية حقيقية لكي يعمل الطبيب بطاقة متوهجة، تضفي على المهنة إحتراما يوقرها امام المراجعين، الى المستوى الذي يستحقه "الحكيم" وهذا يتطلب وزارة صحة قوية ونقابة أطباء مثالية وجامعات تضخ لميادين الحياة أطباء ممتلئين علما، أعدوا دراسيا بشكل صحيح، حتى تخرجوا فيها، لتتلاقفهم المستشفيات ويبدؤوا رحلة العمل الجاد، مدعومين من الوزارة والنقابة. لكننا كما قلت في البدء مشغولون عن مطالبة الحكومة بتطوير واقع العمل الصحي، من خلال مستشفيات مثالية، تجيب لهفة المريض وتحمي علم الطبيب. الحكومة من تلقاء نفسها، لن تقدم على ذلك، مالم تتوفر نقابة قوية، تضغط على الحكومة بالاتجاه الذي يخدم المهنة والمهنيين، ويخرج المريض مبهورا بسحر علم الطبيب؛ فيوقره، بإعتباره حكيما بحق، بدل ما شهدنا من إعتداءات على الاطباء، نتيجة إنقطاع الحوار بين طرفي العملية الصحية.. الطبيب والمريض.
لو ترك الامر للسياسي، فسوف يتكئ الى ثقل قوة حزبه، يحميه من المساءلة عن جودة الاداء، مكتفيا بالتوجه قائلا لكل فئات المجتمع، وأخطرهم الطب، الذي تتعلق به حياة الناس: تريد صخل أخذ صخل.. تريد غزال إخذ صخل.
ولكي لا يتحيد المواطن، بإهمال السياسيين له، فهو يحتاج الى قائد فئوي أمثل، لكل مهنة وشريحة وطبقة في المجتمع، هذا القائد يستبد بالرأي العادل، لخدمة زملائه وإنتشال حقهم من تشاغل السياسي عنهم. وهنا يلج النخبويون الاكاديميون "سم الخياط" نافذين الى التداول مع السياسي، بخطاب واضح، يجرد حاجات القطاع الخدمي الذي يمثلونه، فيستوفون حقهم الذي يصب في منفعة المتعاطين معهم. وخير مثال على ذلك: إذا ضغطت نقابة الاطباء على الدولة، ممثلة بوزارة الصحة، لتوفير مستشفيات تريح المريض وتعالجه وتشفيه، سيحترم الطبيب، وبهذا نحتاج نقابة قوية ذات نقيب نافذ الكلمة، في تأمين متطلبات عمل زملائه، من حيث الظروف الادائية والدورات التطويرية.. داخل وخارج العراق، عن طريق النقابة او الوزارة او بمد شبكة علاقات مع منظمة الصحة العالمية والمنظمات والمجالس المعنية بالطب او بالتطوير المهني المفتوح ووزارات الصحة في العالم واليونسيف واليونسكو..
يجب ان تتحول النقابة الى ورشة عمل تضج بمواسم معرفية متلاحقة.. ترضي طموحات أعضائها،مستبدة بالرأي العادل، نظير بيروقراطية السياسي، لتتوازن الإنتماءات، فلا يخير المواطن بين صخل وصخل، حين يريد غزالا.
مقالات اخرى للكاتب