كان من المفروض أن تكون مجزرة سبايكر الرهيبة بفداحتها الشنيعة خطا أحمر لكل المساومين والمداهنين البغاة ، ومحطة توقف وفرصة مناسبة للتوقف و التفكير و التأمل مليا أمام هؤلاء المساومين و المداهنين ممن تاجروا بدماء و أرواح الضحايا ، ليستمعوا إلى نداء الضمير الإنساني ـــ أن وجُد ــ و ثم الإصغاء لنحيب الأمهات المتفجعات و الزوجات المترملات ممن فقدن فلذة أكبادهن في مجزرة سبايكر أو في غيرها من سلسلة مجازر تنكشف فصولها الدموية يوما بعد يوم ، و واحدة بعد أخرى ، مع ضحايا أبرياء جدد وأكثر عددا و فظاعة وبشاعة مما توقع الشارع العراقي حتى الآن ..
ولكن يبدو أن طبيعة الأوباش و االأوغاد الخسيسة لن تتغير مهما تسببوا من مصائب و نوائب لغيرهم أو لشعبهم ، فما من فجيعة إنسانية رهيبة ومـأساوية موجعة ، و مهما كانت كبيرة و ضخمة ، لقادرة على تحريك ما هو جامد أو ميت بالمرة في قلوبهم الجوفاء ، من ضمائر تكلست متعفنة ، و من أحاسيس تجمدت متحجرة ، و من مشاعر صُدئت متصلبة كجلد تماسيح حشنة وغليظة ! ..
فهذا بالضبط ما لاحظناه في جلسة مجلس النواب عن ضحايا سبايكر ، ليتضح بأن ما خُفي و كُتم أعظم و أفظع مع تسويف و مماطلة من قبل بعضهم : ففي الوقت الذي كنا ساخطين لسعيهم من أجل تقليلهم المقصود لأعداد ضحايا المجزرة البالغة أكثر من ألفين قتيلا و ذبيحا إلى أقل ما يمكن من عدد ، و إذا بوزير الدفاع المخضرم والبطل المحصرم سعدون الدليمي يذهلنا و يصعقنا بأرقام الضحايا الطافرة و الصاعدة و المتقاربة في هذه المرة نحو 11 ألف مفقود ، و الذي يعني في ظرفنا العراقي الراهن أي بالعراقي الفصيح والمعتاد الفسيح 11 ألف قتيلا أو أكثر بكثير ، و ربما قد يرتفع هذا الرقم إلى ما بين ثلاثين و خمسين ألف قتيل و ضحية مغدورة ..
فكيف يمكن لجندي أن يبقى مفقودا طيلة كل هذا الوقت الطويل أن لم يكن قتيلا أو ذبيحا ، سيما إذا كان جنديا " شيعيا " وقع أسيرا بين أيدي دواعش و حلفائهم ؟!..
والمثير والمذهل في الأمر إن هؤلاء" المسئولين العسكريين و الأمنيين " كانوا يتحدثون و يذكرون هذه الأرقام الهائلة من القتلى و المفقودين و كأنهم يتحدثون عن أسراب ذباب و بعوض فحسب ، و بكل برودة مشاعر وبلا مبالاة أحاسيس إنسانية مجردة تماما !..
ومع ذلك لا رأسا قُطفت ولا روحا زُهقت بسيف العدل وقضاء القسطاط عقابا للمرتكبين و المتسببين و المقصّرين ..
ولكن كيف يمكن أن يحدث و يقع ظلم رهيب كهذا بحق الأبرياء في بلد غالبية سكانه يدعون التديّن و التقوى لحد التطرف و القدوى ؟! ، بينما المجرمين المرتكبين والمسئولين المقصرّين بين صفوفه يفلتون من أبسط درجات الحساب و العقاب وفوق ذلك باسم التدّين والتمذهب و التظلم ؟!..
مقالات اخرى للكاتب