من يقرأ تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2012 يجد العراق في المركز الرابع بين الدول العشر الاكثر فسادا في العالم وهي كالتالي: الصومال، "أفغانستان، ميانمار، العراق، السودان، تركمانستان، أوزبكستان، تشاد، بوروندي، أنجولا". وهي ذاتها عدا العراق الدول الأفقر مواردا وذات الدخل الأدنى لموطنيها وبالتالي فهم ربما يلجؤون الى الرِشوة وغيرها من الاساليب الاخرى.
العراق وحده الدولة الغنية من بين تلك الدول العشر لكن مؤشرات الفساد تضعه قبل ست دول هي الاكثر فقرا. وفيما يتوقع ان الفساد في سلسلة تلك الدول يشيع بين صغار الموظفين نجد انه في العراق شائع بين كبار موظفي الدولة يتصدرهم مسؤولون سياسيون ووزراء.
وفي تقرير مجموعة «ميرسر» العالمية للعام 2011 احتلت بغداد المرتبة الأخيرة في مسح أجرته مجموعة الاستشارات العالمية حول جودة المعيشة في 221 مدينة رئيسة حول العالم وأظهرت نتائج المسح أن بغداد هي الأخطر على سلامة الفرد.
هذا غير التقارير التي تصدرها هيومن رايتس وتش ومنظمات حقوقية محلية ودولية عن تصدر العراق دولا عدة في انتهاكات حقوق الانسان وتحوله الى دولة بوليسية. وغير التقارير التي تصنف العراق باعتباره البيئة الاكثر خطرا على حياة الصحفيين.
بعد هذه التقارير التي تصنف العراق في المراكز الاولى لكل ما هو مخزي يأتي دليل "هينلي اند بارتنز" العالمي الخاص بمؤشر القيود على السفر ليضع جواز السفر العراقي في المركز ما قبل الاخير الذي احتلته افغانستان كأحد اسوأ جوازات السفر في العالم.
ان فشل او نجاح الدولة ينعكس بصورة مباشرة على حرية مواطنيها في السفر والتنقل عبر بلدان العالم. ففشل الحكومة في الامن يجعل من دول العالم التحقيق بدقة قبل منح اذن السفر للمواطن العراقي خشية تسلل ارهابيين الى بلدانها. الفشل في علاج ازمة البطالة يجعلها تخشى من عدم عودة الداخلين اليها وطلبهم اللجوء الانساني فيها. انتهاكات حقوق الانسان تدفع بالكثيرين منهم الى طلب اللجوء السياسي في تلك البلدان بعد دخولهم اليها فنرى الدول تتشد في منحه سمة الدخول الى اراضيها.
الدولة الفاشلة يُنظر الى مواطنيها نظرة شك وارتياب ولا يعاملون في منافذ الدول باحترام، وهو ما يستشعره العراقي حين يتقدم لطلب سمة الدخول في السفارات وفي الحددود والمطارات.
في العام 2005 كنا مجموعة من السياسيين والاكاديميين والاعلاميين نلبي دعوة مركز الدراسات الاستراتيجية في مصر لمناقشة اوضاع العراق بعد الغزو. في مطار القاهرة الدولي مر زملاؤنا الذين يحملون جوازات سفر غربية من امام حاجز الدخول دون ان يتوقفوا سوى لثوان قليلة هي المدة التي يستغرقها ختم جواز السفر، فيما بقينا محتجزين خلف الخط الاصفر لأربع ساعات. حين سألت ضابط الجوازات برتبة عقيد عن هذا التمييز العنصري رد بأنهم في الماضي كانوا يخشون ان نصدر لهم البعث اما اليوم فهم يخشون ان نصدر لهم الارهاب.
في ذات العام كنا مجموعة من الصحفيين دُعينا من قِبَل رويترز لزيارة بريطانيا.
في السفارة البريطانية بعمان ختمت الفيزا داخل جوازات سفر زملائي فيما منحوني فيزا على ورقة منفصلة. وفي مطار هيثرو مر الزملاء سراعا من امام موظف الجوازات فيه لأنهم يحملون جواز سفر فئة N الصادرة في زمن النظام السابق وعليه صورة فسفورية لصدام حسين. الوحيد الذي تأخر هو انا لأني احمل جواز سفر فئة S. حَوَّل الموظف جواز سفري الى مسؤوله المباشر الذي جاءني بعد ان قرأت في ملامحه الحيرة وهو يقلب صفحاته. بادرته بالقول: من سمحتم لهم بالدخول دون تدقيق هم من يحملون جوازات سفر النظام الذي اسقطتموه وهذا جواز سفر النظام الذي جئتم به. اكتفى بأن ابتسم وهو يختم جواز السفر...!
مقالات اخرى للكاتب