لم يفشل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي في إدارة الدولة العراقية طوال سنوات حكمه الثمانية فحسب, بل انه فرَّط بالعراق وسيادته عندما هُزِمت قواته العسكرية, التي أنفق عليها مليارات الدولارات طوال سنوات حكمه, أمام حفنة من الإرهابيين الذين احتلوا ثلث أرض العراق, وارتكبوا الفظائع بحق العراقيين وبغض النظر عن دياناتهم ومذاهبهم, فقد استهدفوا الشيعي كما استهدفوا السني وقتلوا المسيحي والايزدي والعربي والكردي ولم يسلم أحد من جرائمهم.
ثماني سنوات عجاف مرت على العراق وكان المالكي مشغولا فيها في تعزيز سلطاته وسلطات عائلته التي كانت الحاكم الفعلي للعراق الجديد. أنفق 1000 مليار دولار طوال سنوات حكمه المشؤومة ولم ينجح في حل ازمة خدمية واحدة. احتكر ادارة الملف الأمني الا انه انهزم امام خوارج العصر ,وهو الذي يقود جيشا واجهزة أمنية قوامها مليون فرد, مجهزين بالسلاح والعتاد ومدعومين من اكبر قوة اقليمية الا وهي ايران ومن قبل أمريكا القوة العظمى على الأرض.
لم ينجح المالكي الا في وضع العراق ملكا على عرش الفساد العالمي, ولم يترك العراق الا محتلا ممزقا تجتاحه النزاعات الطائفية والعرقية وتعصف بمدنه التفجيرات الإرهابية, فيما تراجعت التجربة الديمقراطية في البلاد مع تهميشه للسلطة التشريعية والرقابية وهيمنته على القضاء الذي تحول الى اداة بيده لتصفية خصومه السياسيين.. لم يترك وسيلة شريفة او غير شريفة الا واستخدمها من أجل البقاء على سدة الحكم, ولولا موقف المرجعية الحكيم والحازم لدخل العراق في دوامة جديدة لا أحد يعلم غير الله نهايتها.
المالكي الذي ارتكب جرائم لا تعد ولا تحصى في العراق يسعى اليوم الى اعادة الإعتبار لشخصه وعبر بوابة المقاومة! فهو يظن اليوم بان ارتمائه في احضان محور المقاومة سوف يبيِّض صفحته السوداء الكالحة وسيعاد تأهيله ليطرح نفسه رئيسا للوزراء مرة اخرى.
فهو حاضر اليوم لفعل اي شيء يحقق احلامه المريضة. فالمالكي لم يكن يوما من الأيام مؤيدا لمحور المقاومة, بل ناصب قائدة هذا المحور الا وهي ايران العداء ومنذ اوائل الثمانينات من القرن الماضي وفي زمن قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني.
فالمالكي كان يقود معسكر الشهيد الصدر في مدينة الأهواز الإيرانية, وبعد أن أسست ايران المجلس الأعلى عام 1982 كمظلة تجمع القوى العراقية المختلفة وبضمنها حزب الدعوة اعلن المالكي انسحاب قوات حزب الدعوة من المعسكر بعد ان قررت السلطات الايرانية تسليمه للمجلس الأعلى الذي كان يضم حزب الدعوة في عضويته. غير ان عقلية الإستفراد والدكتاتورية كانت تعشعش في رأسه منذ ذلك الوقت. ترك المالكي مقاتلة النظام الصدامي وحول مقاتلي الحزب الى طلبة للعلوم الدينية في مدينة قم وفي مدرسة الفجر التي كان يشرف عليها حسين الشامي.
ومنذ ذلك الحين وعلاقات حزب الدعوة تتدهور بشكل كبير مع ايران التي تركها معظم تلك القيادات وتوجهو نحو الدول الغربية فيما اختار المالكي سوريا مقرا له. لقد كان لتلك العلاقة المتدهورة أثرا كبيرا في تقريب أمريكا لحزب الدعوة وموافقتها على تولي الجعفري ومن بعده المالكي لمنصب رئاسة الوزراء بعد السقوط. فيما حرمت المجلس الأعلى الحالي من ذلك على خلفية علاقته بايران.
المالكي حافظ على علاقات وثيقة مع امريكا خلال ولايته الأولى وابتعد عن ايران وسوريا قدر الإمكان بل انه قام بخطوات ترضي امريكا وتثير سخط ايران, مثل عملية ما يسمى بصولة الفرسان التي استهدف خلالها جيش المهدي الذي كان يقاتل القوات الأمريكية مدعوما من ايران.
وفي آخر سنة من ولايته الأولى أي في العام 2010 هدد برفع ملف سوريا الى مجلس الأمن بعد فشله في حفظ الأمن في بغداد. الا انه وبعد خسارته لأنتخابات العام 2010 التي فاز بها الدكتور اياد علاوي الذي لا يوجد عليه فيتو اقليمي او أمريكي , يمَّم المالكي وجهه صوب ايران وبدأ رحلة السير في ركبها لا ايمانا بتوجهاتها ولا دعما لها وهي تقود المحور الشيعي في المنطقة , بل استغلالا لنفوذها في حمل الجماعات الشيعية على تأييده للبقاء في منصبه مرة ثانية.
وقد نجح في ذلك اذ رضخت القوى الشيعية وفي طليعته منظمة بدر وتيار الأحرار واعلنت دعمها لبقائه في منصبه, وكانت اللافت معارضة المجلس الأعلى لذلك والذي رفض المشاركة في حكومته. ايران التي وجدت نفسها محاصرة اقتصاديا اصبح العراق متنفسا لها ونظرا لقوتها العسكرية وثقلها الإقليمي فقد وثَّق المالكي علاقته بها حتى تحولت الى اكبر داعم لبقائه في منصبه وأقوى ظهير له. وحينها بدأ بإدارة ظهره للإدارة الأمريكية وخاصة بعد زيارته الى امريكا ولقائه بالرئيس اوباما حيث شعر بأن امريكا قد تخلت عنه تماما.
ولذا فإن خيار الإرتماء في أحضان المقاومة هو القشة الأخيرة التي يتعلق بها المالكي لتسويق نفسه مرة أخرى ولإعادة الإعتبار له على الرغم من عدم ايمانه بالمقاومة وعلى الرغم من انتقاده الشديد لحزب الله اللبناني عندما عارض الإحتلال الأمريكي للعراق وطالب المعارضة بالحوار مع نظام صدام. موقف براغماتي لن ينطلي على محور المقاومة الذي لن تنفعه قوات المالكي الفضائية
, فالمالكي لا مكان له اليوم سوى الجلوس في قفص الإتهام ليواجه حكم الشعب في جرائمه التي ارتكبها بحق العراق.
مقالات اخرى للكاتب