سماح ذو العشرين عاماً تعرضت الى صدمة نفسية نتيجة الفعل الإجرامي المتمثل باختطاف شقيقها على يــد مجاميع إجرامية منظمة، إذ أسفرت المفاوضات بين العائلة والعصابة بدفع مبلغ (100) الف دولار مقابل إطلاق سراحه. سماح وبالرغم من عودة شقيقها سالم إلا أن حالتها النفسية لم تتحسن، حيث شكل الأمر صدمة حادة حسب رأي المتخصصين، الأمر الذي تتطلب من الأب والأم مراجعة أطباء اختصاص لغرض المعالجة. أم سماح هي الأخرى تعيش حالة القلق والحيرة فى حال معرفة الأهل والأصدقاء أن بنتها ذات (18) عاماً تتعالج في مصحٍ نفسي الأمر الذي سيترك أثراً سيئاً لها وللعائلة فيما تواجه الأسرة مشكلة فقدان بعض الأدوية والمشكلة الأكثر عدم وجود أطباء اختصاص بالأمراض النفسية، فحال الطبابة النفسية وما تعاني من مشاكل فى الكادر والاختصاص لا يختلف عن بقية اختصاصات الطب، يضاف له فقدان انواع من الأدوية المخصصة لتلك الأمراض مع الزيادة الملحوظة في أعداد المرضى المصابين باضطرابات نفسية.
أكثـر من 150 مراجعاً يومياً
مدير مستشفى ابن الرشد للأمراض النفسية د. علي عبدالرزاق قال لـ(المدى) إن الوضع العام لأغلب مجالات الحياة العراقية مليئة بالهموم والمشاكل والتوتر نتيجة الوضع العام منذ أكثر من (13) عاماً وهذا أثر بشكل ملحوظ على العديد من شرائح المجتمع. مبيناً: ان البعض منهم تعرض الى الاضطراب النفسي. مشيراً الى غياب الإحصائيات الدقيقة بهذا الشأن.
وأضاف عبدالرزاق: ان مستشفى ابن رشد يستقبل أكثر من (150) مراجعا يومياً اضافة الى المراكز المنتشرة في العديد من المحافظات. مشيراً الى أن الكادر العامل في هذا المجال من أطباء اختصاص أو كادر مساعد قليل جداً قياساً الى أعداد المرضى. موضحاً: أن مستشفى الرشاد الوحيد في البلاد الذي يعالج أكثر من (1000) مريض يرقد بما فيه ردهة ابن الهيثم والخاصة بالجرائم الجناية والإرهابية. لافتاً: الى عمل (13) طبيبا نفسيا فقط وهذا غير ممكن وغير معقول!
قلـة الأدوية.. والمخدرات!
وبشأن الأدوية والعلاجات التي تصرف الى المرضى كشف مدير المستشفى: أن هناك ناقوسَ خطرٍ سيدق او يدق بهذا الشأن، منوهاً: الى قلة الأدوية المخصصة للمصابين بالأمراض النفسية. مبينا: لايوحد لدينا في الوقت الحاضر خزين يكفي للأشهر المقبلة، مستدركاً: انهم يعملون بطاقة محدودة لا تتجاوز نسبة (35%) من الحاجة ألاساسية لمختلف أنواع واصناف الأدوية النفسية المعالجة نتيجة ألازمة المالية التى تعيشها البلاد.
وأوضح د.عبد الرزاق: بالرغم من هذه المؤشرات الخطيرة والمقلقة تظهر موجة جديدة وخطيرة ايضاً هي زيادة تعاطي المخدرات والإدمان خصوصاً لمادة (كريستال) وهي نوع من مواد الفيتامينات وتباع الحبة الواحدة على شكل قرص بـ(90) الف دينار يليها (ميثادون) مؤكداً: ان نسبة التعاطي عالية جداً في المجتمع العراقي، لافتاً: ان هذه المعلومات متوفرة لدى الاجهزة الأمنية. منوهاً: انها تأتي من دول الجوار!
رسالة أوصت بها جميع الأديـان
علاء كريم ممرض جامعي يعمل في مستشفى ابن رشد يقول لـ(المدى) إن هناك عزوفاً واضحاً من قبل الملاكات الطبية بجميع صنوفها للعمل فى مجال الطب النفسي ولأسباب عــدة، مشيرا: الى أن نظرة المجتمع العراقي بشكل عام الى المصاب بمرض نفسي أو من يتعرض الى صدمة هي غير إنسانية وغير منصفة قياساً إلى نظرة مختلف المجتمعات في دول العالم. وروى علاء حكاية أحد أبناء منطقته حين تعرض الى صدمة نفسية أثرت بشكل كبير على طبيعة تصرفاته داخل الأسرة الأمر الذي يتطلب مراجعة أحد الأطباء المتخصصين لكن العائلة أُحرجت مني كوني أحد الفريق العامل والمكلف بمتابعة حالته أثناء العلاج (وقد ترجو مني أن لا أخبر أحداً بالأمر) مستطردا: هذا نموذج واضح على مدى قصوة المجتمع. لافتا: ان هناك أطباءً وكوادر صحية تعــد تقديم العون والعلاج والمساعدة للمرضى المصابين بأمراض نفسية رسالة إنسانية وسماوية أوصت بها جميع الأديان.
العنصر النسوي
المستشار الوطني للصحة النفسية الدكتور عماد عبدالرزاق قال لـ(المدى) إن اهم أسباب عزوف ألاطباء عن العمل في مجال الصحة النفسية هو المردود المادي كون هذا التخصص لا يشكل ربحاً مادياً مثل الاختصاصات الأخرى. مضيفا: لقد قمنا بالعديد من الخطوات التى تسهم في الانخراط والدراسة فى هذا التخصص مثل الغاء التدرج والعمل فى المراكز القريبة. مستدركا: لكن نسبة الاستجابة جيدة خصوصاً للعنصر النسوي .
واشار عبدالرزاق الى نظرة المجتمع إذ يتعامل البعض بنظرة قاصرة تجاه ألاطباء المتعاملين مع المرضى المصابين بالأمراض النفسية بغير وجه حق وحتى مع المرضى أنفسهم فالمجتمع العراقي وللاسف الشديد قاسٍ جداً في الحكم حتى على المريض. منوهاً: الى شحة التخصص في مجال الصحة النفسية ليس الوحيد كون الوزارة تعاني شحة العديد من التخصصات مثل (التخدير/ الطبابة العدلية / واختصاصات أخرى.)
ليس لدينـا ميزانية
المستشار الوطني: كشف عدم وجود أي تخصيص مالي للدائرة لغرض اعداد الدراسات والبحوث والمشاركة في دورات تدريبية متطورة في بلدان العالم وفي مجال الطب النفسي وهذا سبب آخر. كاشفاً: عن مشاركة عدد من الاطباء في احد الدورات في دول العالم اذ تحمل الجانب المضيف نفقات الإقامة فيما تحمل الأطباء نفقات الطيران. مشيراً إلى ان الطب النفسي يشهد بين فترة واخرى تطوراً ملحوظاً في العلاج الدوائي وغير الدوائي وعلينا كمتخصصين مواكبة هذا التطور.
70 % من العلاج دوائي
كما اشار د. عبدالرزاق الى أن 70% من العلاج الخاص للمصابين بالامراض النفسية حالياً، فيما يشكل 30% غير دوائي وهو مختصر على الطب النفسي للاطفال اذ تتم المعالجة عبر جلسات علاجية يقوم بها متخصصون، مسترسلا: فيما تشكل نسب الاصابة المسجلة في المراكز المتخصصة زيادة وهذا طبيعي نتيجة ألاوضاع التى تمرُّ بالمجتمع العراقي منذ فترات طوال نتيجة التغييرات السياسية والاجتماعية والأمنية وما تركتها من الصدمات النفسية على العديد من افراد المجتمع.
وزارة الصحة، سبق وان اعلنت أن نسبة المصابين بالأمراض النفسية في العراق تبلغ 17 بالمئة، بحسب آخر مسح مجتمعي أُجري عام ٢٠٠٧، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية WHO، وتؤكد أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد المصابين غالبيتهم بالقلق والكآبة. وذكرت الوزارة ان المسح أكد أن أقل من عشرة بالمئة من المصابين بالأمراض النفسية يراجعون المراكز العلاجية أو الأطباء، مضيفة أن نسبة الإقبال على المستشفيات المتخصصة بالأمراض النفسية زاد خلال السنوات الأخيرة معظمها ناجمة عن القلق والكآبة.
الإرث المانع الرئيسي
بالرغم من حرص العاملين في مستشفى الرشاد بعدم ذكر ألاسماء الحقيقية للمتحدثين ممن يتلقون العلاج في المستشفى لاعتبارات خاصة أوضح أحد المستفيدين انه يعيش منذ تسع سنوات وقد استفاد من برنامج التأهيل وأنه على استعداد للعودة مع المجتمع والانخراط بالعمل التدريسي ضمن ملاك احد مدارس المحمودية كما كان قبل مرضه يقول لـ(المدى) تعرضت الى صدمة نفسية منذ اكثر من عشر سنوات بعد ان كنت مصاباً بـ (الهذيان) حسب وصف الفريق المعالج له. مبينا: لم يبادر احد من العائلة في زيارتي منذ فترة طويلة ألامر الذى دعا الى تدخل عدد من العاملين في المستشفى لغرض إفهام العائلة على قضية العلاج وتماثلة للشفاء. لافتا: ان العائلة رفضت ان يعيش معهم مرة ثاتية حيث تبين أن السبب الرئيس هو الإرث.
رحمة "حماتها" ومحو الأمية
أم سعد 54 عاماً من سكنة بابل تنتظر موافقة زوجة ابنها لتتمكن من العودة إلى البيت وتروي أنها ومنذ أكثر من ثلاث سنوات تتلقى العلاج في المستشفى وهي عبارة عن مجموعة من الحبوب والكبسول، وتشعر بحالة جيدة وعلمت من بنتها أن ابنها الكبير سعد سيأتي لاستلامها من المستشفى وهي تنتظر منذ أكثر من سنة، الممرضة المشرفة على حالة أم سعد تشير إلى أن حالتها مستقرة ويمكن ان تمارس حياتها بشكل اعتيادي وليس لديها أية مخاطر أو تصرفات (فاقدة الذهنية) ولكن وبعد اتصالات عـــدة مع أهلها علمنا أن زوجة سعد لا ترغب بأن تعود الى البيت وهي حالة من مئات الحالات الموجودة في المستشفى بسبب رفض ذويهم، وأصبح الأمر طبيعياً لنــا . عيدان عبد محمود يعاني من اضطرابات نفسية نتيجة صدمة اقتصادية أودت بكل أمواله، وبرغم شفائه لكن عاد مرة اخرى للمستشفى معتبراً ان المجتمع خارج أسوار المستشفى تغيـّر كثيراً وأن من الصعب الاندماج فيه مجدداً.
وذكر عيدان أن المجتمع خارج المستشفى، تغيـَّر كثيراً عن السابق، بعكس الحال في المستشفى، مبينا: أن هنالك مرضى ما يزالون يتعاملون بالخمسة فلوس وربع الدينار. والبعض منهم يتحدث عن شخصيات غادرت الحياة. لافتا: ان احدهم لا زال يعتقد انه يذهب كل يوم لمركز محو الأمية.
اغتصاب مريضة
قسوة المجتمع والتعامل مع المرضى المصابين بالأمراض النفسية دفعت بها لتدخل الى المستشفى الخاصة بالامراض النفسية لكنها لم تتوقع ما سيحدث لها داخل مستشفى تكفـّل بحماية المرضى. إحدى المعينات في مستشفى الرشاد أشارت الى إحدى المريضات وبرفتها طفل تجلس في إحدى زوايا القاعة حيث بينت انها تعرضت الى حادثة اعتداء جنسي من قبل حماية المستشفى منتسبين في وزارة الداخلية وعددهم اربعة وقد أثبتت التحقيقات ذلك. مبينة: انه تم إصدار أمر قبض عليهم كما قامت الدائرة وبإشراف مباشر من مدير عام آنذاك بمتابعة وملاحقة الجاني لكن لم يتم حتى الآن القبض عليه ولا تزال المريضة تتلقى العلاج. مستدركة: إن المشكلة الكبرى الآن الطفل ونسبه ؟!
مقالات اخرى للكاتب