تناقل العديد من وسائل الإعلام منذ أكثر من خمسة أيام عن المعاناة الحقيقية والخسائر المادية والبشرية جراء حالات الفيضانات التي تعرض لها العديد من مناطق العاصمة بغداد وبعض المحافظات، كما سجلت حالات وفاة جراء سقوط البيوت او التعرض للصاعق الكهربائي. مثلما تناقلت مواقع التواصلا الاجتماعي حتى ساعة إعداد التحقيق مقاطع فيديو تبين غرق بعض مناطق العاصمة مثل تقاطع ساحة ميسلون شارع الربيعي نفق المشتل المتجه صوب القناة حيث تسبب بغلق شارع القناة بالكامل إضافة إلى مجمعات سكنية مثل الطالبية، لكن تبقى المشكلة الاكبر في مدينة الصدر والشعب والبلديات التي لا زالت محاصرة بالأمطار!

أجهزة الحكومة غير قادرة

المهندس محمد العامري موظف في وزارة الاسكان والاعمار يوضح لـ(المدى) لقد ثبت عملياً أن اجهزة الحكومة غير قادرة على تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين خصوصاً في الازمات كما حدث مع النازحين وما يحدث الآن والمتمثل بحالة الفيضانات التى ضربت العديد من الاحياء السكنية في بغداد وبعض المحافظات نهاية عام 2014 والان تتكرر الحالة وربما نشهد حالات مقبلة مشابهة. مشيرا: الى أن جميع الاجهزة المنظوية تحت اسم دائرة معينة لا تعمل ضمن فريق العمل الواحد، بل هناك تعدد بالآراء والأفكار وتضارب التعليمات الحكومية التي أعطت فسحة كبيرة لحالات التلاعب والفساد من دون حساب للمفسدين والمرتشين.

واستشهد العامري بعدد من المشاريع التي تنفذ من قبل القطاع الخاص مثل الفنادق ألاستثمارية او دور سكنية التي تشيد الآن، اذ نرى كلفة الانتاج والجودة تضاهي مثيلتها في العدبد من الدول. مبينا: اذا أردنا ان نقارن بالمشاريع الحكومية نأخذ مخلفات مجسَّر باب المعظم ومشاريع شبكات المجاري التي يتحدث عنها المسؤولون منذ سنين عبر وسائل الإعلام ولن نتلمس شيئاً منها.

تبادل الاتهامات

المهندس المتقاعد ابراهيم عبد الجبار عمل أكثر من ثلاثين عاماً في دوائر امانة العاصمة يقول لـ(المدى) إن تكرار ظاهرة الفيضانات في احياء بغداد وبعض المحافظات يعود لأسباب عديدة. لافتا: منها قدم شبكة مياه الصرف الصحي المتمثل بشرق القناة كذلك الزيادة التي حصلت للمحطات الثانوية في ألازقة والتي تم تشييدها حديثاً حيث أثرت بشكل واضح على المحطات الثانوية الأخرى.

واضاف عبد الجبار: التحضيرات كانت ضعيفة جداً اذ كان من المفترض إجراء الصيانة وتوفير بدل الطاقة خصوصاً (الكهرباء) التي يعتمد عليها في هكذا ظروف. مشيرا: الى تبادل الاتهامات ما بين أمانة بغداد وانقطاع التيار الكهربائي وتوفير مادة الكاز وغيرها من الامور هي عبارة عن فشل الادارة وسوء التخطيط الذي أضر بالمواطن بشكل ملحوظ ، بل لا أستبعد من وجود مؤامرة وفريق عمل دبـّر لهذا الأمر.

الأمطار المتساقطة وبيع الكـاز

المواطن حسين مرزوق ذكر لـ(المدى) قد تكون هناك جهات متنفذة تعمل على افشال الادارة الجديدة لأمانة بغداد مستذكراً إننا في عام 2013 تساقطت كميات كبيرة من الامطار وتعرض العديد من المناطق الى الفيضانات، بل ومنها مناطق الشعب ومدينة الصدر لكن الكوادر العاملة فى ألامانة تمكنت من سحب المياه بمدة لا تتجاوز (72) ساعة. متسائلا: لماذا تعثرت كوادر الامانة على سحب المياه هذه الايام؟

في حين يقول المواطن ستار خلف يسكن منطقة النعيرية الى قيام احد المشرفين على محطة ثانوية لسحب المجاري بإيقاف المحطة بحجة عدم وجود الكاز وعلى إثر ذلك تدخل بعض وجهاء المنطقة وقاموا بتوفير كميات كبيرة من الكاز وبالفعل تم تشغيلها. مبينا: ان الكثير من المحطات المتوفقة بسبب بيع الكاز من قبل المسؤول عنها واغلب سكنة المناطق يعلمون بذلك!
توقعات غـرق ونفـي

الى ذلك توقعت لجنة الخدمات في مجلس محافظة بغداد غرق العاصمة نتيجة هطول أمطار لايام الثلاثاء والاربعاء والخميس، حسب تقرير هيئة الانواء الجوية.

وقال عضو اللجنة حسون الربيعي في تصريح صحفي، ان امانة بغداد تضع حلولا ترقيعية وليس حقيقية لمواجهة ازمة الأمطار في كل شتاء تغرق العاصمة. مبينا ان مجلس بغداد قدم في عام 2009 دراسة لمواجهة أزمة الأمطار لكن تم رفضه من قبل امانة العاصمة.

وأوضح الربيعي ان المواطن البغدادي يتحمل جزءاً من غرق العاصمة وهناك من يرمي الاوساخ أو مخلفات البناء في شبكات تصريف المياه، داعياً امانة بغداد الى فرض ضرائب على المواطنين الذين يتسببون بإغلاق شبكات تصريف المياه.

من جهته نفى اعلام هيئة الانواء الجوية لـ(المدى) غرق العاصمة مجدداً نتيجة امطار الايام المقبلة. موضحا: أن معدل تساقط الامطار التي شهدت العاصمة بغداد وبعض المحافظات التي حدثت في شهر (11) من عام 2013 قد بلغت (89) ملم فيما كانت الامطار المتساقطة ليومي 28-29 من الشهر الماضي التى ادت الى حدوث الفيضانات قد بلغت (54,1) وهذا يعني أن كميات الامطار المتساقطة هي اقل بكثير من موجة أمطار عام 2013.

واضاف المكتب الإعلامي: انه غير مسؤول عما يتداول في المواقع الإعلامية او مواقع التواصل الاجتماعي من موجات امطار ستغرق العاصمة مجدداً. مبينا: ان هناك أمطارا رعدية لا تشكل أي خطـر عليها .

الخسائر المادية

عادل ابو حنين يسكن منطقة الشعب محلة 331 يقول لـ(المدى) لقد عشنا ولا نزال أياما صعبة وتعتبر المنطقة منكوبة من جراء عدم تصريف مياه الامطار وانسداد شبكات الصرف الصحي، موضحا: ان مياه الامطار تدفقت الى داخل البيوت إثر تجمعها بكميات كبيرة في الشوارع الامر الذي أدى بدوره الى تلف الاثاث والفراش وجميع الحاجيات البيتية، مستدركا: انها وصلت في بعض الاحيان الى مستوى نصف متر .

واضاف ابو حنين: انه بسبب تكرار هذه الحالة لمرات عــدة خلال الثلاثة أعوام الماضية ما أدى ذلك الى تصدّع جدران البيت وسقفه لدرجة انه لم يحمِنا هذه المرة نهائياً فقد صارت المياه تتدفق علينا من السقف كما تتدفق من المجاري. مستطردا: ان الليلة التي اشتد بها المطر بقينا مبللين تقطر ملابسنا ماءً حتى الصباح الأمر الذي أدى الى مرض أطفالي. مشيرا: الى الروائح الكريهة التي تنبعث من المياه الراكدة منذ ايام في الشوارع واجزاء من البيوت والتي تسبّبت بخسائر مادية كبيرة اغلب العوائل لا تقوى على تعويضها.

انخفاض أسعار العقارات

محمود مطلك صاحب مكتب النسيم للعقارات في بغداد يوضح لـ(المدى) أن سوق العقار يشهد أساساً حالة ركود غير مسبوقة تسود أعمال بيع وشراء المنازل والمساكن منذ أكثر من عام وليس هناك أية حركة فى هذا المجال باستثناء الايجارات المستعجلة كما يوجد انخفاض طفيف في الاسعار. مسترسلا: إن غرق العديد من المناطق مثل النعيرية وبعض أحياء مناطق الشعب والبنوك وأور وجميلة والمناطق الاخرى أسهمت في انخفاض كبير باسعار تلك المناطق كونها معرضة للفيضان فى اي وقت خاصة في ظل غياب الحلول .

في حين يرى حميد العزاوي سمسار عقارات أن المناطق التي تعرضت الى الفيضانات في الاعوام السابقة اساساً غير مرغوبة للمواطنين من قبل وان الكثير من اصحاب تلك العقارات عرض عقاراتهم للبيع نتيجة الحالة المأساوية التى تعرضوا لها جراء تساقط ألامطار الكثيفة مما أدى الى حدوث الفيضانات التي دمّرت الممتلكات الخاصة للعديد من البيوت ألامر الذى وصل الى الكتب المدرسية والأثاث والكهربائيات !

حواجز وسدود

المواطن عمار حسين موظف في امانة بغداد يقول لـ(المدى) ان مشكلة طفح المجاري والصرف الصحي وانسدادها مشكلتان معقدتان في البلاد وبالرغم من تنفيذ بعض المشاريع الثانوية لكن المشكلة لا تزال قائمة. متابعا: ان طفح المجاري دخل بيوت المواطنين حيث اضطر بعضهم الى وضع الحواجز والسدود لمنع تدفق المياة الآسنة إليها.واضاف حسين: كما اضطر آخرون الى القفز للوصول الى الاماكن بعد توقف مضخات سحب وتصريف المياه في شبكات المجاري، بل وصل الأمر الى الانتقال الى الطابق العلوي للهروب من مشكلة المياه الراكدة داخل المنزل. مستدركا: ان الموطنين اعلنوا عن استيائهم جراء هذه الحال، وطالب الكثير منهم بايجاد الحلول الموضوعية عبر توجيه الدعوة الى العاملين في الحكومة المحلية والمركزية للوقوف الميداني لحل هذه المشكلة والوقوف وقفة جادة.

غلق القنوات وأسعار الخضر

الى ذلك تسببت الفيضانات التي خلفتها الامطار الغزيرة في بغداد بارتفاع أسعار الفواكه والخضر في مناطق شرقي العاصمة.

وذكر اهالي مدينة الصدر ان الفواكه والخضر قفزت اسعارها الى ضعف الاسعار التي كانت عليها قبل هطول الامطار الغزيرة وغرق علوة جميلة شرقي العاصمة بغداد حيث اشار البعض منهم الى ان صعوبة نقل الفواكه والخضر بسبب غرق معظم شوارع مدينة الصدر أدى الى ارتفاع الأسعار بسبب عدم امكانية تسوق اصحاب محال بيع الفواكه والخضر من العلوة ، ما دفع الكثير منهم الى رفع الاسعار.

المواطن محمد علوان ذكر لـ(المدى) ان البعض من سكنة مدينة الصدر ظلوا محاصرين حتى يوم الاحد حين تم فتح بعض انابيب تصريف المياه الى القناة. مبينا: انها وجدت مسدودة باحكام بمواد بناء بلوك وسمنت وكأن هناك يداً متقصدة بذلك. منوِّهاً: حين تم فتح تلك الانابيب حتى اخذت مناسيب المياه بالنزول والاختفاء تدريجياً.

استنفار متآخر

من جهته أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي حالة الطوارئ في المناطق المتضررة جراء مياه الأمطار الغزيرة التي فاقت قدرات التصريف.

وقال المكتب الإعلامي إن العبادي وجه بإعلان الطوارئ في المناطق المتضررة جراء مياه الامطار الغزيرة التي فاقت قدرات التصريف، ووجّه ايضا بـاستنفار جهود الوزارات والمحافظات وآليات القوات المسلحة من الجيش ووزارة الداخلية وقيادات العمليات والدفاع المدني كافة والعمل الطوعي للمواطنين في جهود انقاذ مناطق بغداد والمحافظات الاخرى من الغرق بسبب ارتفاع مناسيب المياه . وكذلك استنفار جهود وزارة الصحة والفرق الطبية لمنع انتشار الاوبئة والامراض. كما أمر بـتشكيل لجنة طوارئ وزارية عليا تبدأ عملها فورا برئاسة وزير الاعمار والاسكان وعضوية وزراء الدفاع والداخلية والكهرباء والصناعة والموارد المائية ومدير مكتب رئيس الوزراء وأمينة بغداد ومحافظ بغداد. مخولا: رئيس اللجنة صلاحيات رئيس مجلس الوزراء في هذا الخصوص لضمان التنفيذ الفوري للإجراءات اللازمة.