ذات مساء كان احمد يتجول ببعض المواقع الالكترونية واذ بخبر أمامه بإمكان أي مواطن معرفة الغرامات المروية المسجل ضده، وتاريخ كل واحدة ومكانها. لم يتردد بدخول الموقع حيث اتبع التعليمات وما هي إلا بضع خطوات حتى ظهرت امامه قائمة طويلة بمخالفات أذهلته، وبعد ان دقق بالأوقات والأماكن ونوع المخالفة، إنذهل أكثر فالكثير منها لم تكن مخالفات وقسم آخر منها لم يحدث أصلا إذ لم يدخل المنطقة التي اُرتكبت بها المخالفة ... لكن احمد عاد وتذكر خلافه مع ضابط المرور مسؤول القاطع حينما طلب منه شراء بعض الملابس الرجالية والدفع يكون بطريقة التقسيط وحين رفض احمد ذلك كان الثمن مخالفات كيدية !
البيـع بالتقسيط
المواطن حسين عباس صاحب محل للمصوغات الذهبية فى منطقة المنصور يوضح لـ(المدى): نعاني من مشكلة طلبات بعض المنتسبين من رجال المرور سواء الشراء بالآجل أو الإقراض الشخصي، مشيرا: أنا أتعامل مع قضية الإقراض الشخصي ليس خوفاً، بل مساعدة إذ يعاني البعض منهم مشاكل مالية في هذه الظروف الصعبة.
واضاف عباس: إن احد الضباط طلب شراء خاتم بالتقسيط رفضت الفكرة بسبب عدم التعامل بالآجل لما يسببه من مشاكل او سبب مشاكل فعلا، مستدركا: لكني تفاجأت بعد بيع سيارتي الخاصة مؤخراً بوجود غرامات مالية على المركبة تتجاوز (820) الف دينار لفترة لا تتجاوز السنة وهي ضمن قاطع الضابط، مضيفا: علمت من احد المنتسبين أن هناك اتفاقاً بين المنتسبين يتم فيه (فرض غرامات) على مركبة شخص معين اذ يعرف بمصطلح (السلفة) الذي يتم فيه تغريم صاحب المركبة من دون علم على مخالفات لا صحة لها خصوصاً اصحاب المحال التجارية الذين يرفضون التعامل مع ضباط ومراتب شرطة المرور وفق شروطهم وطلباتهم.
إبتزاز حكومي
العقيد الحقوقي المتقاعد ثامر حسن أوضح لـ(المدى): عملت قي الدائرة القانونية لفترة طويلة وعُرض علينا العديد من الشكاوى لبعض المواطنين من حالات مشابهة أو نتيجة وجود استغلال وظيفي وتم محاسبة المقصرين بذلك، مبينا: أن التزام أي مواطن بالضوابط والتعليمات الخاصة بقواعد المرور لا يمكن أن تسمح لأي منتسب وحتى أن كان ضابطاً من فرض غرامات أو ابتزاز او استغلال لوظيفته.
وذكر حسن: نلاحظ في الشوارع التجارية في بغداد مزاجية بعض اصحاب المحال بالرغبة الملحة لوقوف سياراتهم الشخصية امام محالهم في هذا الظرف الأمني الاستثنائي الذي يستوجب اخذ الحيطة والحذر، خاتماً: انه لا يستبعد وجود مثل هكذا حالات شاذة وسط كم من الفوضى وغياب الوعي والشعور بالمسؤولية العملية.
سيبارات الزبائن
في حين يرى شرطي المرور علاء حسين في حديثه لـ( المدى ): نتعرض لضغط كبير سواء من كبار الضباط في القاطع أو المديرية بعدم التهاون في تطبيق القانون كذلك نتعرض للحرج مع المواطنين خاصة اصحاب المركبات الذين يصرُّون على ايقاف سياراتهم أمام محالهم التجارية، او سيارات زبائنهم ممن يتبضع منهم ، داعيا: المواطن أن يتفهم الوضع في البلاد نتيجة الأوضاع الأمنية الخطيرة لكن هذا لا يمنع رجال المرور أن يرصدوا المخالفات ويحاسبوا المقصِّر.
عباس مسعد موظف حكومي يقول: العاصمة بحاجة إلى إجراءات رقابية في كل المجالات وقطاعات العمل ومنها عمل رجال المرور في بعض مناطق العاصمة خاصة التجارية ، اذ يشكو البعض من أصحاب المركبات تسجيل مخالفات كيدية بحقهم ولأسباب منها بعض الخلافات الشخصية التي تنتج نتيجة صِدَام بين رجل المرور وصاحب المركبة، مستطرداً: ان البعض من رجال المرور يتحيَّن الفرص المناسبة ويسجل الغرامات بحق ومن دون بحق!
وأضاف مسعد: ان بعض المخالفات تأتي بمزاجية رجل المرور ذاكرا واحدة من المخالفات التي سجلت ضده في تقاطع منطقة النسور، اذ كنت أتحدث من خلال الهاتف بعد يقيني أن الإشارة المرورية قد أعطت اللون الأحمر الذي يحرم على السائق اجتيازه، إلا أن رجل المرور أصر على تسجيل مخالفة برغم محاولاتي العديدة لإقناعه إني لم ارتكب مخالفة وغيرها من المخالفات العديدة.
يطلب منا الشراء
عقيد المرور الذي طلب عدم ذكر أسمه أوضح لـ(المدى ) في موقع تواجدة فى ساحة التحرير: أن مشكلة المحال التجارية في مناطق الكرادة والمنصور وشارع فلسطين وغيرها تعاني من مشكلة حقيقية والمتمثلة بعدم وجود أماكن مخصصة للسيارات أو مواقف نموذجية أو نتيجة غلق الطرق الفرعية منوهاً: هذه ليس مسؤوليتنا وانما العكس اذ نعاني من هذه المشكلة نتيجة تكدس عدد من السيارات امام تلك المحال خصوصاً (المولات) مما يضطر ضابط المرور فرض غرامة على أصحاب تلك السيارات الأمر الذي يعتقده صاحب المحل انه مقصود بشكل شخصي نتيجة خلاف سابق او اشكال معين مع رجل مرور آخر.
واشار ضابط المرور: ان هناك العديد من اصحاب تلك المحال يرغب ببناء علاقة ايجابية مع رجال المرور والنجدة والشرطة المحلية وهذا أمر طبيعي واجتماعي معروف لدينا كعراقيين لكن ان تُستغل هذه العلاقة بفرض او طلب حاجة من دون رغبة صاحب المحل فهذا العمل مرفوض تماماً، منوهاً: هناك محال تجارية في الكرادة خارج تبيع بعض المواد بالتقسيط ويطلب منا الشراء وهذا الأمر متروك للشخص نفسه.
الغرامات والقانون
حدد قانون المرور المادة 26 لمعاقبة سائق المركبة الذي يرتكب خطأ مرورياً في المواد المنصوص عليها، وجميع هذه المواد تلزم السائق بدفع مبلغ من المال يتراوح بين (10) آلاف و(30) ألف دينار بحسب نوعية المخالفة. وما يمكن ملاحظته في هذا الموضوع المهم، أن رجل المرور يستخدم التعسف في تطبيق العقوبة، وان الموضوع يترك استياءً كبيراً لدى البعض من المواطنين خاصة اولئك الذين يتواجدون بشكل دائم في الشارع اذا كانوا أصحاب المحال التجارية او اصحاب سيارات الاجرة (التاكسي) والكوستر والكيا..
الفوضى لهـا مستفيدون
استاذ علم الاجتماع الدكتور مهند عبدالرزاق يوضح لـ(المدى) ان كل فوضى لها مستفيدون وما يطبق الآن في العراق، ولهذا نلاحظ أن هناك فوضى عارمة في مجمل الحياة والغرض منها تجارة الأرباح، مبينا: أن غلق الشوارع الفرعية لدواعٍ أمنية يستفيد منها أشخاص معروفون لاسيما أن اصحاب المحال التجارية عليهم ان يقدموا (المقسوم) كما يُسمى ضمن لغة التفاهمات بينهم وبين البعض من رجال الشرطة من اجل السماح لهم بفتح الطرق وهذا الحال نفسه ينطبق على سائقي الكيا او التاكسي فهم ايضا عرضة دائما لتعسفات ومزاجية رجال المرور.
رأي المرور العامة
العميد عمار وليد طعمة من مديرية المرور العامة يوضح لـ(المدى) أن الادعاء وتوجيه التهم من دون أدلة ثبوتية وشهود تعــد إساءة الى سمعة منتسبي المرور كون ابواب الدائرة مشرعة امام عموم المواطنين ووسائل الإعلام ، وهذا توجيه من مدير المرور العام، منوهاً: انه تم تحديد يوم الاربعاء من كل اسبوع لغرض استقبال المواطنين وسماع شكاواهم، مؤكداً: نحقق في كل شكوى إن ثبتت هناك عملية ابتزاز من أي منتسب فتُتخـذ ضده أقصى العقوبات.
واستشهد طعمة بحالة حصلت قبل فترة حيث تقدمت مواطنة بشكوى ضد ضابط ادعت انه فرض غرامة من دون وجه حق وعند التحقيق تبيّن أنها كانت مخالفة، بل تجاوزت على الضابط بحضور شهود من غير المنتسبين وطلبت بعدها إلغاء الشكوى.
غرامة 3 ملايين دينار
وطرح العميد عمار حادثة اخرى وهي وصول مبلغ الغرامات الى احد اصحاب مركبات الاجرة بمبلغ (3) ملايين دينار وتقدم بشكوى وعند التحقيق بالحالة تبين ان السائق الذي يعمل فى المركبة لا يقوم بدفع الغرامات وتركها مما وصل الامر الى هذا الحال. مشيراً إلى أن تسجيل اكثر من الغرامة في اليوم الواحد على صاحب المركبة المخالفة حالة قانونية، بل يُحاسب الضابط كون القانون يُجيز حجز المركبة.
واشار طعمة الى أن المخالفات المرورية في البلد أصبحت شائعة جدا، وهناك البعض من منتسبي الأجهزة الأمنية والجهات المختلفة تقوم بالعديد من مخالفات السير كالسير عكس الاتجاه او عدم الامتثال للوائح المرورية ما يشجع المواطن العادي على المخالفة متذرعاً بأن هناك سيارات حكومية تقوم بالمخالفة ذاتها فلماذا نحاسب نحن فقط؟ وقد قمنا بمفاتحة الدوائر والمؤسسات الحكومية التابعة لها بغية محاسبة السواق على تلك الحالات وإعلامهم بأنواع المخالفات باليوم والتاريخ .
خاتماً حديثه أننا وللأسف الشديد نفتقر الى ثقافة القانون وهذا ما يؤثر على جميع المشاهد اليومية في أي مجتمع سواء من تطبيق أنظمة المرور او الوقوف بخط نظامي عند مراجعة أية دائرة لكن تبقى أنظمة المرور هي الضرورة القصوى لما فيها خصوصية في حياة المواطن وإعطاء النموذج الأمثل لمجتمع متحضر .
مقالات اخرى للكاتب