إبتسمت ببعض مرارة وأنا أقرأ الأخبار، حين مر علي ما قاله جنرال أمريكي بأن أميركا سترسل الأسلحة إلى "هولير" مباشرة وليس عن طريق بغداد، والسبب هو:"لأنهم لا يريدون أن يبقى العراق مقسماً"!(1)
كون الأمريكان يحزنهم جداً أن يرون العراق مقسماً، وأن بايدن صاحب مشروع تقسيم العراق المشهور كان خارج عن الطوع، ذكرني بصاحب بنظرية "وحد تسد" الإستعمارية الحديثة، والذي حصل منا على جائزة "منتهى الوقاحة"(2) بعد أن أمتنعنا بشرح نظريته وتحذيره للعراقيين من "الوحدة القسرية" التي تفرضها أميركا عليهم لتسيطر بها على بلادهم، ودعانا لننتفض ضد تلك الوحدة القسرية لننعم بالتقسيم (لا توجد أخطاء مطبعية.. هذه عباراته وابتكاراته ويمكن مراجعتها في الروابط)! تذكرته وتساءلت ما الذي حل بنظريته اليوم ياترى في غمرة أخبار الإنتصارات التي غمرت العراق لأول مرة بعد انتظار طويل، وملأتهم بالإحساس بالأمل والكرامة بعد طول يأس ومهانة من الأصدقاء قبل الأعداء.
الرجل، والحق يقال، كان مخلصاً لـ "مبدأه" (أو "مهمته" لا أدري). فوجدته قد كتب مقالاً بعنوان " قلوب العراقيين مع التقسيم وسيوفهم عليه"!(3) أكد فيها على قناعة المالكي ومعظم العراقيين بان (لامكان للتعايش السلمي في العراق وان الحرب الاهلية قادمة لامحالة)، دون أن يعير اهتماماً لحقيقة أن دعاة التقسيم، وحتى دعاة تكوين الأقاليم يجابهون برفض شديد واستهجان، رغم تخصيص فضائيات خاصة لمثل هذه المهمة كما هي "الفيحاء" و دكتورها محمد الطائي.
يحدثنا عبد الغني عن جمال التقسيم على لسان "رمز شيعي" (لم يسمه) بالقول "ان الجنوب الشيعي لن يتضرر من التقسيم لانه يتمتع بكذا وكذا ثروات معدنية وزراعية وبشرية وبمنفذ بحري.. الخ". ثم يكرر التمثيلية على لسان "رمز سني حكومي بارز من الموصل".. داعياً العراقيين إلى الإقتداء بغورباتشوف الذي تمكن من تمزيق الإتحاد السوفيتي إرباً فحماه من الحروب الأهلية! (لم يسمع عبد الغني بالحروب مع جورجيا ومع أوكرانيا على سبيل المثال، والتي أدت إلى خسارة كل منها جزء من أراضيها، ودمار اقتصادي كبير، أو حروب ما بعد التقسيم في يوغوسلافيا السابقة، ...والحبل مازال على الجرار. ولا شك أنه لو سمع بذلك لمنعه ضميره “اليقظ” أن ينصحنا تلك النصيحة).
وتأتي مقالة عبد الغني في الحث على التقسيم التخويف من الحرب الأهلية في توقيت غريب عجيب. ففي الوقت الذي تنقل لنا الأخبار مشاهد القوات العراقية الموحدة من شيعة وسنة تتقدم لتحرير تكريت(4) وقصص التلاحم الشيعي السني الجديد، حيث دفعت شيخة سنية حياتها من أجل حماية الهاربين من مجزرة سبايكر وهم جنود شيعة فصارت "حديثَ الكبير والصغير في العراق، ومصدرَ فخر لعشيرتها الجبور"(5) وتشكل باسمها لواء من الحشد يحاصر داعش فقام ابناء تكريت، بنحر الذبائح لهم ابتهاجا بتحقيق النصر على التنظيم(6) وفي زيارة لممثل السيستاني، شكرت عشائر الأنبار كتائب حزب الله وبطولته(7) وتطوعت أعداد كبيرة من أبناء صلاح الدين في افواج الحشد لتحرير تكريت(8) والبغدادي(9) في الحشد الشعبي وأعلن مجلس محافظة نينوى “عدم وجود اي اعتراض لدخول قوات الحشد الشعبي” لتحرير المدينة(10) وباركت مجموعة علماء العراق انتصارات الحشد(11)
... ثم يأتي من يقول لك: "وهيهات اليوم اصلاح ذات البين بين تلك المكونات"!! ويؤكد أن "كل التكهنات والتجارب" (؟؟) تقول، "ان التقسيم قدر العراق"! الذي سيمهد للشيعة والكرد والسنة الدخول في علاقات بناءة ومثمرة تقوم على مباديء المنافع المتبادلة وعدم التدخل والتعايش السلمي"! لا أعرف لماذا، اشعر أن آخر ما يتمناه عبد الغني وامثاله هو التعايش السلمي في العراق!
وبينما يكتب الخبير العسكري وفيق السامرائي إن تحرير محافظة صلاح الدين يحقق نتائج حاسمة" عسكرياً و"يلجم الطائفيين والمناطقيين وذيول الانفصاليين" (12) ، ورغم أن محافظ صلاح الدين بدد المخاوف من وجود "حاضنة شعبية للدواعش" في المحافظة، حين أشار إلى آلاف من متطوعي العشائر انضموا لمساندة الجيش(13) يركز عبد الغني علي يحيى في مقالة أخرى له على "مخاوف ما بعد معركة تحرير صلاح الدين" ملمحاً إلى خطر الطائفية (14)
عبد الغني خائف من احتمال تجاهل الحكومة العراقية للدور الأمريكي، وارتفاع النفوذ الإيراني! وثم "أن يتكلل انتصار القوات الامنية العراقية في معركة تكريت، بتوجيه فوهات بنادق تلك القوات الى الكرد وقوات البيشمركة". وينطلق عبد الغني من حقيقة احتلال البيشمركة لمناطق عربية، وأن كردستان بحجة داعش "فرضت بالسطو المسلح واقعاً على الأرض في المناطق العربية لا تريد التخلي عنه حتى بعد زوال الحجة، فقامت بمنع العرب من العودة لبيوتهم كما كشفت المنظمات الدولية(15)، ومن هنا تأتي خشية عبد الغني من ضياع "الغنائم"، إن طالب أهلها بها وبالعودة إلى بيوتهم!
حملات إعلامية
الحملات الإعلامية تحتاج عدداً كبيراً ليثير ضجة كافية وعبد الغني ليس وحده. فترى من يقوم بالتحرش بقيادات الحشد الشعبي ومحاولة عرقلة عملهم و"كسر نشوة الإنتصار".(16) وفي الوقت الذي تقوم واشنطن مع ذيلها العبادي بمحاولة ركوب الموجة وتجيير انتصارات الحشد الشعبي لها وله بلا خجل، فيأتي بايدن لـ "يشيد بقيادة العبادي" للحرب على داعش! (17) (يذكرنا بمديحه اللامتناهي لـ "قيادة المالكي") تشن حملة إعلامية شعواء على إيران التي تدعم الحشد بقوة.
فلكي يستمر سيناريو الذبح الإرهابي الإسرائيلي وينجح التقسيم، فلا بد من استمرار عزل الضحية ومنع فرص إفلاتها واقترابها من المستهدفين الآخرين مثل سوريا وإيران. فتشيع الشرق الأوسط بأن "مصادر" سياسية عراقية قالت لها «بأن العراق أصبح ضمن المحور الإيراني»(18) وينعق الغراب الإسرائيلي رئيس كتلة التحالف المدني الديمقراطي مثال الآلوسي(19) بإن إيران “مندفعة” في العراق وفقا لكل الآليات المقبولة وغير المقبولة، وبالتالي هناك أجندة إيرانية واضحة في العراق بخلاف الدول الأخرى المهتمة بالتدخل في الشأن العراقي؛ حيث إن تدخلها لو صح لا يرتبط بأجندة محسوبة.”
وإذا راجعنا تاريخ "التحشيشيات" لهذا الـ...، وهو تاريخ ثري جداً، ربما لا نجد تحشيشة أمتع من هذه (أن إيران تحسب في تدخلها، وبقية الدول تتدخل "عشوائياً" – حسب التفاطين! من يمدح هذا المثال ومن يذم؟ لا عليك..)
بالنسبة لنا، فأن مهاجمة إيران أو اية جهة أخرى من قبل السعودية أو الشرق الأوسط أو شرطي يعالون، لا يزيدنا إلا تمسكاً بها ولا يزيدنا إلا ثقة بصحة صداقتها! ومما يفرح القلب أن يتجرأ البعض على عكس الحكومة المخنثة، على المطالبة بتسليح الجيش من إيران! فعلى العكس من كل الدول الوسخة في التحالف الذي يستضيفه العبادي، فالعراقيين يعرفون جيداً، أن إيران هي التي تحارب داعش في سوريا والعراق، وبدون أية شوائب أو تمنع عن تسليم اسلحة مشتراة أو قصص طائرات محششة تلقي بمعوناتها للجهة الخطأ! (20)
مؤامرات أوسع
لكني لا أريد أن أوحي بأن المعركة انتهت وأن النصر قد ضمن، وأن "القافلة تسير والكلاب تنبح فقط" فهذه الكلاب برهنت دائماً أن لها أنياباً وأنها قادرة على العض أيضاً، إن غفلت القافلة عنها. السعودية تجتمع للتآمر مع أميركا (21) وتجمع بقية الذيول، وتتحرك تركيا حركة غريبة للغاية بتوقيع اتفاقية عسكرية مع قطر تتيح لكل من عميلي الناتو تحريك قواتهما كل في بلد الآخر، دون وجود أي تبرير مفهوم لمثل تلك الإتفاقية(22) ثم تستعد لوضع قواتها في معركة الموصل لمنع هزيمة الإرهاب الإسرائيلي الذي كلف الكثير، كما هزم في صلاح الدين،(23) وترسل وزير دفاعها إلى وزير الدفاع العراقي للتباحث حول ذلك في زيارة رسمية هي الاولى لمسؤول تركي عسكري. ولحرجه، يضطر وزير دفاعنا إلى تأكيد عراقية المعركة! (24)
ومن جهة أخرى يعلن الرئيس "المصري" الذي شغل اعلى الرتب العسكرية في زمن عميل الموساد مبارك، يعلن من المملكة العربية السعودية التي يزورها "صدفة" مع جزار سوريا اردوغان، أن الوقت قد حان "لتشكيل قوة عربية موحدة"!!(25) ومما لا شك فيه أن السيسي يريد تلك القوة لمحاربة “الإرهاب”، لكن مما لا شك فيه أيضاً أنه يقصد "الإرهاب" الذي اعلن عنه قبل أيام حين أعلن ان "حماس" هي المنظمة الإرهابية وليس إسرائيل! وهو ذات التعريف الذي تتبناه إسرائيل، وتتحدث عن محاربته في مؤتمراتها، التي يحضرها رئيس التيار "الديمقراطي" العراقي مثال الآلوسي، و "يضحي" بولديه من أجلها!
إذن فالمؤامرة كبيرة جداً، ولا تقتصر على المندسين في ملابس الحشد الشعبي الذين أشرنا إليهم في مقالتنا السابقة(26) والذين يتآمرون لتحويل النصر إلى هزيمة عراقية إن أتيح لهم ارتكاب مجازر جديدة في المناطق المحررة، والتي لا شك عندي في أنهم يخططون لها بكل همة، ومثلنا حذّر كذلك آخرون من بينهم الزميل حسن حاتم المذكور وتحدث عن الخوف المشروع من ضياع الأنتصارات ... بـ “الدسائس الألتفافية” (27). وها نحن نرى أن فأميركا وإسرائيل تطلق صافرة الإنذار وتجمع عملائها لتكون منهم "قوة إسرائيلية موحدة" لنجدة فرقها الإرهابية التي لم تتمكن مساعدات الطائرات الأمريكية من إنقاذها هذه المرة! يجب على العراقيين الجرأة والحسم والإلتفاف بلا تردد حول الأصدقاء وردع الأعداء بلا خوف أو مجاملة خطرة.
لا نعرف بالضبط ما هو السيناريو الذي حدث فمنع العبادي من إشراك الأمريكان في المعركة، لكننا سعداء بذلك لأكثر من سبب! أما مكتب العبادي فلا يستطيع أن يقدم أي مبرر مشرّف، فأفلتت من لسان الناطق باسم العبادي، زلة لسان خطرة تكشف الكثير، حين صرّح أن السبب هو خشيتنا من “النيران الصديقة” على قواتنا!(28) وليس في ذلك عجب، فهذه "النيران التي عقدنا معها معاهدة صداقة"، تعلن من جديد وبوضوح أنها تستعد لمرحلة جديدة ستدعم فيها الإرهابيين في سوريا كما فعلت خلال السنوات الماضية،(29) فهل يبقى من تردد أو شكوك؟ إننا بحاجة إلى الحرص على انتصاراتنا وفرحتنا التي حققها لنا ابطال الحشد الشعبي بدمائهم، وأن نكون أهلا للدفاع عنها بما يناسب البسالة والتضحية التي انتزعها بها هؤلا الأبطال من بين مخالب وأنياب الأعداء!
(1) جنرال امريكي : سنرسل الاسلحة الى هولير بشكل مباشر
http://www.alkurdiya.net/search?updated-max=2015-03-03T03:15:00-08:00&max-results=12
(2) صائب خليل - الميدالية الذهبية في سباق "منتهى الوقاحة"
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/826630280727376
(3) عبد الغني علي يحيى: قلوب العراقيين مع التقسيم وسيوفهم عليه
http://almothaqaf.com/index.html/araa2015/890467.html
(4) مشاهد فيديو من معارك القوات العراقية عند تكريت من موقع إيراني
http://www.farsnews.com/MediaDisplay.aspx?nn=13931206001458
(5) الشيخة السنية أمية ضحت بنفسها لتحمي جنوداً شيعة
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/03/04/672941.html
(6) ابناء عشائر المناطق المحررة شرق تكريت ينحرون الذبائح ابتهاجا بتحريرها
http://www.alsumaria.tv/news/126651/alsumaria-news/ar
(7) عشائر الانبار يلتقون ممثل المرجع السيستاني بكربلاء ويعلنون رفضهم التسليح من غير الحكومة العراقية وبوصاية المرجعية
http://www.non14.net/59246/
(8) أبناء صلاح الدين يتطوعون لتحرير المحافظة
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185952.html
(9) الغبان من البغدادي: سنشكل فوجاً من أبناء الناحية لتحريرها والاتجاه صوب حديثة
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185866.html
(10) مجلس نينوى: لا اعتراض على دخول قوات الحشد الشعبي لتحرير
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185810.html
(11) جماعة علماء العراق تهنىء الشعب العراقي بتحرير محافظة صلاح الدين -
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186249.html
(12) عراقيا.. عمليات صلاح الدين إلى أين؟
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186148.html
(13) محافظ صلاح الدين يبدد المخاوف من وجود "حاضنة شعبية لداعش" بالمحافظة ويؤكد مساندة العشائر للقوات الامنية
http://alghadpress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=27866
(14) مخاوف ما بعد معركة تحرير صلاح الدين
http://almothaqaf.com/index.html/araa2015/890513.html
(15) الأكراد يعوقون عودة العرب لمناطق متنازع عليها بالعراق
http://www.iraqicp.com/index.html/sections/news/25586-2015-02-27-08-06-52
(16) بدر: العامري مكلف بواجب من قبل العبادي وطلب تغييبه هدفه كسر نشوة الانتصار
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186262.html
(17) بايدن يشيد بقيادة العبادي ويؤكد: تحرير صلاح الدين أمر اساسي لهزيمة داعش -
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186275.html
(18) مصادر سياسية عراقية تكشف خفايا جديدة عن النفوذ الإيراني
http://www.iraqicp.com/index.html/sections/news/25562-2015-
(19) الالوسي: إيران مندفعة في العراق وفقا لكل الآليات المقبولة وغير المقبولة
http://8th-day.com/?p=97650
(20) الخارجية النيابية تطالب الحكومة بتسليح الجيش من ايران
http://alghadpress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=27598
(21) وزير الخارجية السعودي: إيران تستولي على العراق
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186329.html
(22) مشروع اتفاق يتيح لتركيا نشر قوات في قطر ومسؤول بأنقرة يؤكد: اتفاقيات أخرى قادمة مع دول الخليج -
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186336.html
(23) Turkey is investing in the upcoming battle for the liberation of Mosul
http://english.al-akhbar.com/
(24) العبيدي: تحرير الموصل ستكون عملية عراقية التخطيط والتوقيت والتنفيذ
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186245.html
(25) السيسي: الوقت مناسب لبدء حوار حول تشكيل قوة عربية موحدة - BBC Arabic
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2015/02/150227_egypt_sisi_arab_force
(26) صائب خليل: النصر الرائع كيف نحافظ على زخمه لصالح العراق ونتجاوز المؤامرة؟
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/848158925241178
(27) حسن حاتم المذكور: المنتصر من يحافظ على النصر
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186338.html
(28) مكتب العبادي: عدم مشاركة التحالف الدولي بالعمليات خشية النيران الصديقة على قواتنا ]
http://alliraqnews.com/2011-04-18-02-57-37/169535-2015-03-03-15-25-52.html
(29) واشنطن تنوي حماية مسلحي المعارضة السورية بعد تدريبهم وتسليحهم
http://arabic.rt.com/news/775797-
مقالات اخرى للكاتب