يحكى أن رجلا اضاع مفاتيح خزنته الحديدة التي يضع بداخلها نقوده، وكل ما يحتاجه من مستمسكات وأوراق قانونية، ففتش عليها بجد فلم يجدها، واخذ يعالج في فتحها ثلاثة أيام فلا يقدر، تعب كثير وفكر بهدوء، وأخيرا اتصل مع احد اصحابه وصديق العائلة ومقرب عند زوجته، وطلب منه ان يقول لزوجته أن زوجك يعشق غيرك وله عشيقة وفي كل ليلة ترسل له رسالة ويضعها داخل الخزانة. فذهب صديقة وأخبر الزوجة كما طلب منه الزوج، ولم يمضى ساعات حتى وجد الخزينة مفتوحة فقال الرجل ليس بعجب أن تأتي المرأة أفانين الغرائب .
بعد هذه المقدمة في واقع الامر لم نصف المرأة بالدهاء حكاياتنا الشعبية جزء من مخزوننا الثقافي الذي فرض علينا أن نتهم المرأة بالدهاء وتعممت على كل النساء فهي حيلة طبختها امرأة واحدة وحملتها بقية النساء.
تحكي جدتي من أروع وأعجب الحكايات، تقول: يحكي أن رجلاً حلف ألا يتزوج حتى يكتب حيل النساء ومكرهن، فاستعد للسفر، وأخذ ما يحتاج إليه، وسار يطلب البلاد حتى يكتب حيل النساء، فكتب في ذلك مجلدات كثيرة، وانصرف راجعاً إلى بلده وأهله، فبينما هو سائِر وفرحان ببلوغ أُمنيته، وقضاء حاجته، وصل قرية من قُرى المنطقة، وفيها صديق له وهو أمير القرية، وكان الرجل بينه وبين الأمير مُصادقه، فسلم عليه الأمير، واستفسر عن غيبته فأخبره بما قصده، وحصل عليه.! فتعجب الأمير من ذلك، وحلف عليه أن يبيت عنده، وقا : هذه الليلة أنت ضيفي، وأنت الليلة بائتُ عندي كي تُحدثني عن هذه الكتب التي نسختها .
فنزل الرجل عنده، ودخل به الأمير على زوجته، وأمرها بضيافته، وإكرامه. سألته له زوجة الامير: ما هذه الكُتب التي معك ؟فأخبرها وقال: كُتب فيها حيل النساء. فقالت له: وهل كتبت حيل النساء كلها ؟
فقال لها: نعم . فتبسمت عجباً، ثُم ضحِكت طرباً، فلما رآها هكذا، احتوت على قلبه، فقالت له: أنتُم يا أهل المُدن كملتم في كُل فضل وفضيلة بإمكان وإتقان، إلا أنكم مالكم على السِر كُتمان. فقال لها بعد أن اعجب بها: ما معنى كلامكِ ؟ فقالت له: إني مُبينه إليك بسر، فلا أسمعهُ من أحداً غيرُك . فقال لها: وما هو ؟
فقالت : أعلم أني شابه، وأن زوجي هذا رجُل شيخ، فهل لك أن تأتي ليلاً .؟
فقال لها: وقد طار عقله فرحاً وشوقاً: يا أميرة قد شوقت الخواطر، وأتعبت النواظر، فلما كان المساء وجاءها في غرفتها . قالت له: يا أخ، هكذا تدخل بيوت الأمراء، أتُريد الآن أن أصرخ الساعة صرخة تدخُل عليك الحراس، ويجعلون أكبر قطعه فيك قدر شحمة أُذنيك ؟ . فلما سمع كلامها، وعاين فعلها، جف ريقه، وأيقن بالموت .
فقال : يا اميرة ، الجيرة أرجوك . فقالت له: لا أجارك الله، أتزعم أنك كتبت حِيل النساء ومكرهُن ؟ والله لو عشت عُمر نوح، وكان معك مال قارون، وصبرت صبر أيوب، ما حصرت عُشر معشار ما للنساء من المكر والدهاء، ألا يا جاهل تمنى كيف تموت، فما قدر أن ينطُق، وتحقق بالموت، فتضرع إليها وبكى، وقال: يا سيدتي أنا تائب إلى الله
تعالى على يدك، فأطلقيني واجعليني من بعض عُتقائك، فقالت له: لابُد من تلف روحك.
ثُم صرخت صرخة، فأنفتح الباب، فمات الرجل في جلده، وأُغمي عليه وعند ذلك قامت أسرع من البرق ورفسته برجلها فوقع على وجهه بإزاء الطعام مغشياً عليه، فدخل زوجها، وقال لها: ما هذه الصرخة ؟ ما حال ضيفي ؟ فقالت على الفور أتى بالطعام فأكله فغص بلُقمه، فخفت عليه أن يموت، فصرخت ثُم رفسته فوقعت اللقمة، ثُم زالت الغصة وهذه قصتي معه، ثُم رشت الماء على وجهه، ففتح عينه، فاستحى من صاحب المنزل. فأقبلت المرأة على الرجل وهو لا يصدق بالحياة. وقالت له: هل كتبت مثل هذه في كُتبك يا رجل ؟ فقال لها: لا والله إني تائب على يديك، ما بقيت أكتُب شيئاً عن حيل النساء، ثُم قام ورمى جميع الكُتب في البحر وذهب إلى حال سبيله .
اعذريني أيتها المرأة الحسناء أن امنحك وسام الخيانة يا صاحبة الغدر والمكر، وأقول لك تحسنين التمثيل يا حورية البحر، وصديقي الرجل أسمح لي أن اقدم لك تعزيتي فقلبك الطيب جعلك ضحية لدهاء امرأة فقدت الاحاسيس والمشاعر ولم تستوعب الدرس، يا صديقي الرجل اتمنى أن تتعلم من المرأة المكر لكن قلبك لا يسمح أن تخون ،
هل نضحك على دهاء ومكر المرأة ونبكي على الرجل، انها حكاية شعبية قديمة بقيت من تراث الاجداد لو كان في ذاك الزمان هذه الاجهزة الحديثة وبرامج التواصل الاجتماعي لم نسمع أو نقرأ هذه الحكايات .
مقالات اخرى للكاتب