يستطيع الزائر للعراق أن يلاحظ ظاهرة الإهدار الشديدة الجارية في العراق ، و خاصة في قطاعي الماء و الكهرباء ، وبلا أبالية عجيبة تدعو إلى الاستغراب ، و تدل في نفس الوقت على عدم تعلم العراقيين من معاناتهم و حرمانهم و فقرهم في أزمنة والحصار الصعبة . وفيما يعلق الأمر بإهدار و تبذير الماء ، فيمكن القول بأن بعض حنفيات إسالة الماء في العديد من بيوت العراقيين ـــ أن لم يكن في أغلبها أما شبه مكسورة أو متخلخلة جدا من شدة اىستهلاك وعوادي الزمن ــــ أو ربما كنوعية رديئة من النوع الصيني ، فيسيل منها الماء على شكل دفقات متواصلة أو تنزل منها على شكل قطرات كبيرة بتواصل دائم ـــ هذا و دون الحديث عن " صوندات " في حديقة البيت أو على الرصيف ، حيث يسيل منها الماء على هواه و بلا هدف أو جدوى ــ و في كلا الحالتين تتعرض ثروتنا المائية الثمينة جدا لعمليات هدر و تبذير مؤسفة تدعو إلى أسى حقا ،على شكل ملايين لترات من المياه الصالحة للشرب تذهب هدرا ، في الوقت الذي يعاني العراق من أزمة شحة المياه الشديدة إلى حد أن سكان بعض محافظات العراق الجنوبية ـــ كالبصرة مثلا ــــ يضطرون لشرب مياه مالحة أو ملوثة بسبب هذه الشحة ، التي من المتوقع أن تتفاقم أكثر فأكثر في غضون السنوات القادمة ، ليس في العراق و حسب ، وإنما في أغلب دول الشرق الأوسط ، و حسب التكهنات فمن المحتمل اندلاع حروب ستسمى حروب ماء ستنشب بين بعض دول المنطقة على المدى البعيد . فإلى هذا الحد سيكون للماء من أهمية و حيوية إلى حد كبير في حياة شعوب المنطقة ، وهو الأمر ذات الأهمية القصوى الذي لا يأخذه بعض العراقيين حتى الآن بنظر الاعتبار.. و نظن بأن ظاهرة الهدر هذه ، ربما قد ترجع بالدرجة الأولى إلى السعر الرمزي و الزهيد لفواتير الماء ، و التي ربما لا تُسدد بشكل منتظم في بعض الأحايين ، حتى يبدو كأنه ــ أي الماء ـــ شبه مجاني ، الأمر الذي يجعل بعض المستهلكين أن يهدروا الماء بهذه الطريقة العبثية و المؤسفة ، و ضمن عقلية لا مبالية و سلبية تفتقر إلى الحرص المطلوب على ثرواتنا المائية القيمة ، زائدا اللامبالاة المعهودة عند البعض إزاء المصلحة العامة و القائمة على الاتكالية و عدم الاكتراث ،و الذي سيكون موضوع مقالنا القادم .. نفس الشيء يمكن يُقال على صعيد تبذر و هدرالكهرباء ـــ رغم شحتها هي الأخرى ـــ إذ تجد نور الكهرباء ـــ مثلا ـــ مضيئا طوال الليل ، و بدون أي مبرر في المطبخ و " المرحاض " و الحمام و كذلك في " الهول ــ صالة الاستقبال " أيضا على رغم من أن الجميع نيام !!! .. و هنا يتحتم على الدولة و تحديدا على وزارة الموارد المائية أن تأخذ عاتقها معالجة هذا الأمرــ ذات المردود السلبي ــ على الأجيال القادمة ــ ووقف عملية هذا الهدر العبثي لثرواتنا المائية ، و ذلك عبر إجراءات صارمة تجبر المستهلك ـــ الذي يتصف بهذا السلوك غير المسئول ــ على تصليح و صيانة حنفيات و أنابيب الماء داخل بيته ، و ذلك لوضع حد لعمليات الهدر و التبذير هذه ، من خلال وضع عدادات الساعة ، و من ثم مراقبتها بين حين و أخر من قبل مسئولي الوزارة المعنيين بالأمر ، و إذا لا ينفع إجراء من هذا القبيل ، فلا بأس من الاستعانة بإجراء أخر والأكثر ردعا ـــ ماديا ـــ إلا وهو رفع أسعار الماء ، كأخر إجراء ردع بغية حماية و صيانة ثرواتنا المائية من هذا الهدر المجاني و العبثي الجاري على قدم و ساق.. غير إنه .................. كل ما نخشاه هو أن يدرك بعض العراقيين ـــ كعادتهم ـــ هذه الحقيقة بعد فوات الأوان ، وهم يهدرون ــــ بدون أي شعور بالمسئولية ــــ أثمن ما يملكون من ثروات طبيعية ثمينة جدا و التي تبدو إنها مهددة أصلا بالنضوب البطيء .و الكارثي المريع .. و كما هو معروف بأنه بلا ماء ، ليس من ثمة حياة لأي مخلوق ما عدا الجماد .. و لكننا في الوقت نفسه على بينة من أمرنا مدركين بأن : ما نكتبه ما هو سوى صرخة في البرية ... فلا أحد يسمع أو يقرأ ...غير أن الصرخة في البرية تبقى أفضل بكثير من الصمت غير المبالي.
مقالات اخرى للكاتب