أعلن رئيس الوزراء العراقي وزعيم إئتلاف دولة القانون نوري المالكي عن كسبه ثقة 175 نائبا برلمانيا تؤهله لتشكيل حكومة أغلبية. ومن قبله أعلن الناطق بإسم المجلس الأعلى عن تحالف من 200 نائبا يسعى لتشكيل حكومة شراكة وطنية أسماها حكومة الأقوياء.وإذا سلمنا بصحة كلا الأدعائين فهذا يعني ان عدد أعضاء البرلمان العراقي المقبل هو 375 نائبا وليس 328 كما هو معروف وهذا إدعاء يجانب الحقيقة وبالتالي فلابد ان يكون احد المدعيين كاذبا أو كلاهما.
وإذا بدأنا بإدعاء رئيس الوزراء فمن المعلوم ان قائمته فازت ب 92 مقعدا ومع إعلان إنضمام عدد من الكتل الصغيرة له فقد وصل عدد اعضاء إئتلافه الى 112 نائبا ومن المرجح أن يرتفع هذا العدد الى 125 نائبا على أبعد التقادير وذلك فيما لو انضم له حزب الفضيلة وتحالف الإصلاح مع الأخذ بنظر الأعتبار دعوة الأئتلاف الوطني الصريحة للمالكي لسحب ترشيحه .وبذلك فهناك خمسين مقعدا تفصل بين الواقع وإدعائه. وإذا أضفنا لذلك تصريحاته حول تشكيل حكومة أغلبية سياسية تضم كافة المكونات العراقية فهذا يعني أن الخمسين نائبا اللازمين يفترض ان يمثلوا السنة والكرد.
وإذا بدانا بالقوى السنية فهناك متحدون التي أعلنت رفضها لبقاء المالكي في منصبه وكذلك أعلنت الكتلة الوطنية ولم يتبق سوى إئتلاف العربية وهو لايملك سوى 10 مقاعد برلمانية ولو فرضنا جدلا إنشقاق كتلة الحل عن متحدون فهذا يعني إضافة عشر نواب آخرين وبذلك فيكون عدد المقاعد السنية المؤيدة للمالكي 20 مقعدا.
واما على الصعيد الكردي فإن أقصى ما يعول عليه المالكي هو 19مقعدا تمثل عدد مقاعد حزب الأتحاد الوطني الكردستاني على فرض خروجه عن الأجماع الكردي وهو شبه محال وبالرغم من ذلك فهناك 11 مقعدا غائبة , ولذا فإن إدعاء المالكي يستوجب العديد من الأحتمالات الصعبة ورغم ذلك فلايمكن تحقق.
وإذا دققنا في تصريحات الناطق بإسم المجلس الأعلى وغيره من القوى فيمكن البدء بالأئتلاف الوطني العراقي (65) مقعدا والوطنية(21) ومتحدون(23) والتحالف الكردستاني (62) فيكون المجموع 171 نائبا وليس مئتين على أفضل التقديرات .ولذا فإن إدعاء كلا الطرفين يجانب الحقيقة من جانب غير انه يصيب كبدها في ذات الوقت. إذ يبدو أن هناك كتل ونواب متحركة فهؤلاء وعند إجتماعهم بالمالكي يعلنون تأييدهم له وعند جلوسهم مع معارضيه يعلنون مخالفته.
إن هؤلاء النواب الذين يمكن تسميتهم بنواب اللعب على الحبال أو نواب الأبتزاز, وضعوا أصواتهم في سوق مزاد تشكيل الحكومة وسيدلون بها لمن يدفع أكثر على صعيد الأموال أو على صعيد المناصب. فما أكثر الذين ترنوا اعينهم نحو كرسي رئاسة الجمهورية ونحو رئاسة البرلمان ونحو الوزارات ونحو ملايين الدولارات. فلايظنن أحد بأن هذا المزاد داخلي بل هو إقليمي فالحكومة العراقية برسم البيع والشراء إقليميا.
ولعل الخاسر الأكبر في هذه المزادات هو التحالف الوطني الذي سلم الجميع بحقه في تشكيل الحكومة.فهذا التحالف الذي يبدو منقسما اليوم أصبح موضع إبتزاز من القوى الأخرى التي ستؤيد الطرف الذي يلبي متطلباتها أكثر من آخر. ولذا فإن تشكيل أي من طرفيه للحكومة ودون مشاركة من الطرف الآخر يعني تقديم تنازلات لتلك الأقلية اللازمة لضمان النصاب القانوني للحكومة وستبقى الحكومة أسيرة تلك الأقلية طوال عمرها الدستوري, إذ بإمكان تلك الأقلية إسقاط الحكومة في أي وقت تشاء.
ولذا فإن تشكيل حكومة قوية لاتخضع للأبتزازات وبإمكانها الدوام مهما كانت الظروف يتم عبر قيام التحالف الوطني بتشكيلها. فهو يمتلك اليوم أكثر من 180 نائبا وهي المرة الأولى التي يحصل فيها هذا التحالف على الأغلبية البرلمانية وهو مايمكنه من إدارة البلاد وبلا خوف من فقدانه الأغلبية البرلمانية في حال إنسحبت القوى الأخرى من الحكومة. إلا ان العقبة الوحيدة التي تقف في طريق تحقيق ذلك هي في عدم إتفاق قواه على تقديم مرشح لمنصب رئاسة الوزراء مقبول من المكونات الأخرى وحينها ستدخل تلك القوى في الحكومة التي سيكون للتحالف الوطني اليد الطولى فيها.
ولذا فالمطلوب من قوى التحالف ان تضع مصلحة العراق والتحالف فوق أي إعتبار آخر وتتوافق على مرشح مقبول وبغير ذلك فإن تمزيق التحالف لعيون هذا او لعيون ذاك سيخرج الأمور في البلاد عن سيطرة التحالف وبما ينعكس بشكل سلبي على عموم العراق وخاصة في ظل الأوضاع المضطربة التي تمر بها المنطقة.
مقالات اخرى للكاتب