هل بالإمكان ، إقامة " دولة كردستان " ، من غير التنسيق والتفاهُم المُسبَق ، مع جميع أو على الأقل ، بعض الدول المُحيطة المَعنِية بالأمر وكذلك الولايات المتحدة الامريكية والإتحاد الأوروبي ؟ .. التنسيق والتفاهُم ، يعني ببساطة ، تقديم ضمانات بالمُحافظة على مصالح تلك الدُوَل ، سياسياً وإقتصادياً في حالة تشكيل دولة كردية .. يعني المُساومة على الكثير من الأمور والقضايا التي قد تضُر ب " المصلحة الكردية العُليا " . لكن .. بدءاً .. ماهي المصلحة الكردية العُليا ؟ إذا كانتْ تعني ، التصّرُف وِفق إستراتيجية كردية مُوّحدة وواضحة ، بالنسبة الى الأجزاء الأربعة في : تركيا / العراق / إيران وسوريا .. فمن الواضح للعيان .. عدم تّوفُر مثل هذه الإستراتيجية . بل بالعكس من ذلك تماماً .. حيث توجد العديد من التقاطعات الحادة ، بين القوى السياسية الكردية الرئيسية .. الى درجة ، ان السياسة التي ينتهجها ، الحزب الديمقراطي الكردستاني " العراقي " مثلاً .. بعيدة تماماً عن تلك التي يتبعها ، حزب العمال الكر دستاني " التركي " ! .
- إذا كانَ الحزب الديمقراطي الكردستاني ، قد إعتبرَ الحقوق " القومية " ومنذ تأسيس الحزب .. كأساسٍ لنضالهِ .. فأنه والاحزاب القومية الكردية الأخرى ، لاحقاً .. رّكزوا أصلاً ، على نًيل تلك الحقوق ، في ( العراق ) وكجزءٍ من الكفاح من أجل عراقٍ ديمقراطي يتمتع فيه الكرد بحكمٍ ذاتي واسع . ولم تصبح " كردستان الكبرى " ، شعاراً لهذه الاحزاب في أيةٍ فترة ! .
صحيح ، ان التأثيرات المتبادلة ، كانتْ موجودة ، وساهمتْ الأحزاب القومية الكردية " العراقية " ، في دعم الاحزاب الكردية الموجودة في إيران وسوريا ، بل وفي تشكيل إحزاب رديفة أيضاً .. ناهيك عن مُساهمة النضال القومي المُنَظَم في العراق ، في تشجيع ودفع كرد تركيا ، الى تشكيل أحزابهم الخاصة ، ولاسيما حزب العمال الكردستاني في نهاية السبعينيات .
- حالتْ الصراعات المميتة ، بين الأحزاب القومية الكردية " العراقية " فيما بينها .. دون إدامة التأثير الإيجابي ، على أوضاع الأحزاب الكردية في كل من ايران وسوريا وتركيا . ففي كثيرٍ من المنعطفات .. إستخدمتْ الدولة الإيرانية " سواء في العهد الشاهنشاهي أو الإسلامي " الأحزاب الكردية العراقية المتواجدة على أراضيها كلاجئين ، لضرب المُعارضة ولاسيما الكردية منها ! .
وفي سوريا .. تشكلتْ العديد من الأحزاب الكردية ، على منوال الأحزاب الكردية العراقية ، ناقلة أمراضها المزمنة وصراعاتها السقيمة ، إليها . إضافةً ، الى ان وجود العديد من قيادات الأحزاب الكردية العراقية المُعارضة ، في سوريا لسنوات طويلة .. أخضعها شاءتْ أم أبَتْ ، لضغوطات وتأثيرات المخابرات السورية .. التي إستخْدمتْهُم في سبيل تطويع الأحزاب الكردية السورية . كما كان تأثير المخابرات الإيرانية ، واضحاً .. نتيجة تواجد الكثير من قيادات وكوادر الأحزاب الكردية العراقية ، في المدن الإيرانية لفترات طويلة .. في تنفيذ الأجندات الإيرانية . أي بالمُجمَل .. لم يكن إحتضان كُل من إيران وسوريا ، ولسنين طويلة ، لقيادات وكوادر الأحزاب الكردية العراقية .. مجانياً ولا في سبيل الله ! .
- بالمُقابل .. تلقفتْ سوريا بُسرعة .. حزب العمال الكردستاني " التركي " منذ بداية الثمانينيات ، وفتحتْ له المعسكرات في سوريا ولبنان ، وقدمتْ له تسهيلات كثيرة .. لتجهيزه للقيام بأدوار لاحقة ، ضد تركيا .. " وضد الأحزاب الكردية القومية في كل من العراق وسوريا وإيران ، حسب الظروف والمستجدات " ! . وكدليلٍ على ذلك ، تلك الحرب الضروس التي ، خاضها مقاتلي حزب العمال الكردستاني ، ضد سلطة أقليم كردستان الفتية ، مقتبل التسعينيات ، حيث ان حزب العمال ، يتحمل " بدرجةٍ رئيسية " ، مسؤولية دماء الآلاف من مقاتلي ومقاتلات حزب العمال وبيشمركة الحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني .. في تلك المعارك العبثية السخيفة .. تحت شعارات قومية زائفة ، من قبيل ( كردستان الواحدة ) و عدم الإعتراف ب ( الحدود المصطنعة بين أجزاء كردستان ) .. بِدفعٍ ودعمٍ مباشر من المخابرات السورية ، وتواطؤٍ غير مباشر ، من الحكومات العراقية والتركية والإيرانية .. في سبيل وأد تجربة أقليم كردستان في مهدها . ان الدور الخبيث الذي قام بهِ حزب العمال في تلك الفترة ، ساعدَ الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وشّجعهُ على التقارب مع تركيا ، بل وتقديم الكثير من التنازلات لصالح تركيا .. " وجاءتْ الحرب الداخلية بين الحزبَين الديمقراطي والإتحاد ، لكي تكمِل إرتماء الحزبَين ، ولاسيما الديمقراطي ، في أحضان تركيا وأجنداتها في المنطقة ! .
- قام حزب العمال ، في السنوات العشر الاخيرة ، بصورةٍ عملية .. بترجمة شعاراته القومية الداعية الى " كردستان الكبرى " و إلغاء الحدود الوهمية بين الأجزاء الأربعة . فَمّدَ نفوذه المُسّلَح الى كردستان إيران من خلال فرعه " پژاك " ، وفي سوريا من خلال فرعه " حزب الإتحاد الديمقراطي " .. وفي أقليم كردستان ، شّددَ قبضته ، على الشريط الحدودي مع تركيا ، المؤدي الى جبال قنديل الوعرة ، وأقام فيها معسكراته ومواقعه الحصينة .
- كُل حملات الجيش التركي ، الجوية والمدفعية والبرية .. التي هاجمَ فيها مواقع حزب العمال ، داخل أقليم كردستان ، خلال السنوات الماضية .. لم تنجح في كسر شوكة مقاتلي الحزب . ومن نافلة القول ، ان سلطات الأقليم ، لاتستطيع من الناحية الفعلية ، القضاء على وجود مقاتلي حزب العمال ، ولا ( تحرير ) الأقليم منهم ! . علماً ان عملية إنسحاب مقاتلي حزب العمال من الأراضي التركية ، خلال الأشهر الماضية ، حسب خطة السلام المزعومة بين العمال والحكومة التركية .. وتكدسهم وتركزهم ، في جبال قنديل وغيرها من المناطق الوعرة .. ان ذلك مدعاة للقلق من جانبَين : الأول ، إحتمال تسّبُب هؤلاء المُسلحين في مشاكل جدية لأمن وإستقرار الأقليم . والثاني هو ، إستغلال تواجدهم في منطقة معلومة ضيقة نسبيا ، في قيام الجيش التركي بتوجيه ضربة كبيرة لهم ، ورُبما تَوّرُط بيشمركة الأقليم في ذلك أيضاً .
- إنكشاف الصراع الذي كان خفياً الى حدٍ ما .. بين حزب العمال من جهة والحزب الديمقراطي من جهةٍ أخرى .. على الساحة السورية .
- وجود آلاف الشركات التركية والإيرانية ، في أقليم كردستان .. مظهرٌ آخر ، لتصارُع المصالح الأقليمية . ودخول [ النفط والغاز ] كعاملٍ بالغ الأهمية في المستقبل القريب ، يُحّدِد معالم المنطقة ، وإحتمالات قيام " دولة كردية " في السنوات القليلة القادمة .
- حسب الجغرافية السياسية الموجودة الآن .. أعتقد ان خارطة الطريق التي ينتهجها الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني .. من مَد أنبوب لنقل النفط الخام والغاز ، الى تركيا " مباشرة " ومن ثم الى اوروبا .. والزيادة المضطردة في كميات الإنتاج التي قد تصل الى مليون برميل يوميا بحلول سنة 2015 .. الى شراء طائرات هليكوبتر عسكرية لحماية الأقليم .. الى توافد القنصليات الأجنبية المهمة في أربيل .. الى السَير في خطٍ متوازي مع السياسة التركية ، على الساحة السورية .. الى مُحاولة التراضي مع أطراف عربية عراقية فاعلة وربما القبول بوضعٍ خاص لكركوك .. الى الإستماتة في إقناع الأطراف الأخرى ، بعقد المؤتمر القومي الكردي ، في أربيل ، بزعامة البارزاني .. الى إعطاء إمتيازات كبيرة للشركات النفطية العالمية ، من أجل الإستثمار في الأقليم ، وبالتالي الإنخراط في عملية [ حماية ] الأقليم من أية مخاطر مُحتمَلة ! . كل هذه الأسباب ومُراهنة الحزب الديمقراطي ، على الحصان التركي .. قد تُؤدي في النهاية وخلال سنوات .. الى إقامة دولة كردية .. ولكن دولة كردية ، بمواصفات تركية بدرجةٍ رئيسية ، ومواصفات إيرانية بدرجةٍ أقل ! .
ولكن لو إستمرتْ العلاقات بشكلها الحالي ، بين حزب العمال والحزب الديمقراطي ، بنواياهما المختلفة المُتباعدة .. فأن " دولة كردستان " لن تكون صديقة حميمة ، لحزب العمال وبالتالي لكُرد تركيا .. ولن تكون الدولة الجديدة بمنأى عن القلاقل والمشاكل التي قد يختلقها حزب العمال وفروعه .. لا بل حتى الحصان التركي ، رُبما يجمح ويضرب بحوافره القوية يميناً وشمالاً ، بين الحين والحين ! .
مقالات اخرى للكاتب