وضعت أغلبية الدول الأوربية ومثلها الولايات المتحدة في الحسبان تقييم الوضع العام حول استخدام التقنيات الحديثة في وسائل الأعلام من قبل التنظيمات الإرهابية التي باتت تشكل خطرا حقيقيا عابرا للحدود.ليصبح القلق عاما بعد أن شعرت سلطات تلك البلدان بوجود أعداد ليست قليلة من مواطنيها كانوا ضمن المشاركين في عمليات القتال الدائرة في سوريا والعراق. ومازال هناك ترويج بين قطاعات الشباب الأوربي لدفعهم للذهاب بما سمي بالجهاد في هاذين البلدين . وتقدم شبكات التواصل الاجتماعي الكثير من المعلومات لتمكن الشباب من التوجه إلى أماكن القتال أو ما يطلق عليها، ساحات الجهاد والرباط. ودائما ما تبث صور لمقاتلي داعش أو القاعدة وهم فرحين بشوشين مبتسمين يتقاسمون الطعام في أماكن عامة أو بيوت أو خلف السواتر وفي المعارك لتظهرهم وكأنهم أبطال في أفلام من أفلام الحركة والعنف ( أكشن )
استخدام تقنيات الانترنيت ومنها وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك ، تويتر،هاي فايف، لايف بوون ، ماي سبيس، كوكل وغيرها، باتت الوسيلة الحيوية في مخاطبة الشباب وتصوير القتال في تلك المناطق على أنه الذهاب إلى الجنة الموعودة . ولا يقتصر الأمر على استخدام تلك الوسائل وإنما يتجاوز ذلك لوسائل اتصال مباشر والتحدث باللغات المتعددة،واستخدام البريد الالكتروني والعادي . وظهرت لدى تلك المنظمات قدرات تقنية عالية في استخدام الفوتو شوب وعرض وترويج أفلام تبدو جاذبة للبعض من الشباب المرتبك المهمش، القلق على مستقبله والمحشو دماغه بالكثير من الأسئلة عن ما يدور من صراعات ومظالم في هذا العالم . ولكن وفي جانب حيوي من موضوعة المشاركة في الجهاد، هناك من هو موقن بالجهاد الديني المفضي للشهادة والمثول سريعا بين يدي النبي محمد، ونيل مبتغاه من حور العين، في ذات الوقت الذي تشير بعض الوقائع كون العملية وفي بعض جوانبها باتت بابا للارتزاق وصراع من أجل المصالح الدنيوية وفي مقدمتها الثروة.ففي بلدان أوربا الفقيرة مثل دول البلقان وكذلك العديد من الدول الأسيوية وحتى أمريكا اللاتينية والتي تعاني من أزمات سياسية اقتصادية حادة، تنتشر البطالة بشكل واسع بين الشباب مما يجعل الأفق مسدودا أمامهم وتصبح عوالمهم رخوة يسهل اختراقها من قبل التنظيمات الإرهابية لتدفع بهم نحو عالم الارتزاق قبل أي شيء أخر.
في الكثير من الوقائع وفي العديد من المعارك أفصحت الصورة الموثقة، عن أن بعض هؤلاء الجهاديين لم يكن يعني لهم الإسلام شيئا يقينيا أو طريقا للنجاة من الوضع الذي يعيشونه، أو حتى قدرته على الإجابة على مجمل أسئلتهم أو تخليصهم وإنقاذهم من ارتباكهم وحيرتهم اليومية. وفي المقابل فأن الكثير من السلطات لم تكن تضع في سجلاتها هؤلاء المشبوهين أو تجعلهم تحت المراقبة. ولكن في نهاية الأمر وجدت تلك السلطات أن الكثيرين من هؤلاء قد انجرفوا في أيدلوجيات متشددة وكانت صفحات وتقنيات الانترنيت السبب الرئيسي في جلبهم لتلك الأوضاع. وقد شخصت العديد من الأسباب لمثل هذه الحالة وتوقفت كثيرا منها عند ملمح، أن التربية الدينية أو العلاقة الروحية بالدين لم تكن عند هؤلاء دليلا أو معنا خاصا للارتباط بتلك الأفكار الجهادية، وبدت تعابيرهم عبر رسائل نصية يسربونها في مواقع التواصل الاجتماعي، تنبأ عن نوع أخر لا علاقة له بالتشدد الديني . فمنهم من يقول أن أخر ما أفكر فيه هو الإسلام ، أن الظلم عام وليس الإسلام هو وحده من يظلم، البشرية تحتاج من ينقذها مهما كان دينه، الحرب مغامرة وربح وفير . وهكذا يبدو أن هناك قائمة طويلة من أشخاص تدفعهم رغبات شخصية للذهاب والقتال في أماكن توفر لهم قيمة ذاتية قبل أي شيء أخر. ومثلما الحديث يدور عن علاقة بعض المقاتلين بالأيدلوجيات وقربهم أو بعدهم عنها، فأن وقائع على أرض المعارك في العراق وسوريا أظهرت حقائق توثق ما يشبه هذه الحالات. فبعد احتلال مدينة الموصل العراقية والرقة السورية من قبل داعش وحلفائها ظهر أن ليس هناك صورة نمطية للعلاقة بين الأيدلوجية الدينية التي تدفع الشباب للقتال مع المجاميع الإرهابية ، واتضح أن وراء الأكمة الكثير من الأغراض والمنافع، وإن المشهد له مسببات مثلما احتوائه على قناعات عديدة ومختلفة في بعض مظاهرها ودوافعها. فقد عثر من بين قتلى تلك المنظمات الإرهابية على من هو غير مختون وتلك حالة جسدية بعيدة عن أعراف الإسلام وتعاليمه، وربما قوة شكيمة وشراسة هذا المقاتل جعلت منه قائدا عسكريا لا بل مفتيا شرعيا لمنطقة قريبة من جنوب مدينة الموصل المحتلة من قبل داعش. كذلك أسر في العراق شخص ياباني الجنسية لا علاقة له بالدين الإسلامي ومثله روسي وصربي وكل يوم يكشف عن مجاميع غير مسلمة تصل للمشاركة في القتال. وعرض التلفزيونان السوري والعراقي مقابلات لأسرى من تلك المنظمات كانت جملهم مرتبكة وأعلنوا ندمهم وأدانوا الأفعال التي قاموا ومجموعاتهم بها وهذا دليل واضح على تورطهم وارتباكهم وبعدهم عن ما يسمى بقضية الجهاد والتضحية في سبيل الدين والمبدأ ونيل أحد الحسنيين النصر أو الشهادة.
أن الخلط بين الإسلام كدين مع ما تقترفه الحركات الإرهابية من أفعال وجرائم يبدو في موضع له من الحساسية الكثير، بحيث باتت هناك هيئات ومؤسسات أوربية وحتى عربية تقارب صورة الإسلام من واقع العنف اليومي الذي بات يهدد الكثير من بلدان العالم، وتجد في تصرف البعض من الشيوخ والدعاة وترويجهم للجهاد نموذجا واضحا لمثل هذه الصلة. ولكن مثل هذا الأمر يقابل بالردع والاستنكار من قبل مؤسسات دينية رصينة في العالم الإسلامي ومثلها خارجه.
إذا اقتنعنا بأن العنف صفة مكتسبة وليس فطرية وأن السلوك البشري يخضع لاشتراطات وتأثيرات أولها التربية الأسرية والمحيط الاجتماعي ثم تأثير وسائل الإعلام الذي بدا يشكل عامل حسم في خيارات وتوجهات البشر.ولوسائل الإعلام وبالذات الأفلام والصور خاصية كبيرة في التأثير على سلوك الأفراد. وباتت قطاعات الشباب الشريحة الأكثر ولعا من غيرها في المشاركة والترويج لهذا النمط الإعلامي. وشكلت أفلام العنف والمطاردة والإثارة والرعب المجال الأرحب والأكبر وتحتل مركز الصدارة في اهتمامات الشباب، وإن الرغبة في مشاهدة هذه المناظر والأفلام يرتبط كليا بالموروث الاجتماعي ووضع الشخص بين أقرانه ووسطه الاجتماعي الاقتصادي ودرجة التعليم. مما يجعل أبطال تلك الأفلام نماذج مختارة للتقليد من قبل المراهقين والشباب. فصورة البطل التي يفضل الشباب والمراهقين تقليدها، دائما ما تكون بعيدة عن النمطية لرجل عادي في سلوكه اليومي وهيئته . فهو ذو عضلات مفتولة وسيم رغم عدم اعتناءه بمظهره، مرن الحركة ،سريع البديهية وردود الفعل، غير هياب أمام المحن والشدائد، مندفع ومغوار، ثم يأتي في مقدمة تلك الصورة الانطباع بأن البطل يبحث عن الحقيقة ويقارع الظلم في بحثه هذا.
وقد شخص وزير الثقافة الفرنسي جان جاك أياغون في ندوة تلفزيونية أسباب عديدة ترتبط باتساع دائرة العنف في بلاده،وهي ذات الوقائع في باقي البلدان، مشيرا لدور وسائل الإعلام في انتشارها مؤكدا على ضرورة حماية المهمشين ورفض التمييز وبغض الأخر، ولذا على وسائل الإعلام إعادة النظر فيما يتم تقديمه من مشاهد عنف وعدوانية.
مارشال كوري مخرج أمريكي محترف للأفلام الوثائقية أشار في مقابلة تلفزيونية مع CNN للأسباب التي تدفع المنظمة الإرهابية داعش للقيام ببث تلك الأفلام الدعائية التي تحوي دائما ما هو مرعب قائلا : أظن أنهم يحاولون إخافة الناس، فعمليات قطع الرؤوس والجرائم الأخرى، ترويجها يهدف إلى لفت انتباه الشباب والقول لهم بأنكم تستطيعون أن تكونوا جزءا من أفلام المغامرات تلك وتمارسونها على الواقع بدلا من مشاهدتها في فلم على شاشة التلفزيون، ألا تعتبرون هذا الأمر مشوقا ومدهشا ؟ إذا لماذا لا تشاركون فيه؟.
ويشير لما شاهده في ليبيا أيام سقوط معمر القذافي قائلا كان هناك مقاتلون يطلقون النار بكثافة في المعارك وبحركات رشيقة في حين يقف رفاق لهم يلتقطون الصور، وكان يبدو دافع الجميع المشاركة في فلم أكشن، واليوم يلعب داعش ذات الدور بين أوساط الشباب ويلعب على وتر رغبات هؤلاء، ويقول مارشال أيضا أن الأفلام الدعائية التي تنتجها داعش تتمتع بتقنيات عالية رغم بساطة وزهد تكاليفها، ولكن هدفها عالي ومهم للمنظمة إلا وهو بث الرعب لدى الخصوم وإخافة الناس.
داعش وقبلها القاعدة طورت تقنيات رعب لمشاهد متعددة الجوانب مثلما تتعدد فيها طبيعة الرسائل الموجهة لجذب الشباب إلى ساحات القتال،وهي في هذا تلعب على وتر الرغبات المكنونة والمكبوتة لدى الشباب، وقد استطاعت توفير أجواء تقارب مزاج الشباب المتطير المتوتر المضلل المهمش المليء بشحنات الغضب والقلق ومشاعر الإحباط ، والساعي لإيجاد منفذ يثبت فيه لذاته وجودها وينفس عن نزعاتها التي تشكلت عشوائيا وأصبحت عدوانية سادية جراء مقاربته لأجواء العنف والجريمة التي يشاهدها يوميا في السينما والتلفزيون وعلى صفحات اليوتوب والانترنيت، وهذا ما تفصح عنه وقائع الجرائم التي ترتكبها مجاميع تلك المنظمات دون حسابات عقلية ومنطقية أو واعز أنساني وبعيدا عن أي روابط وأفكار تتعلق بالدين أو الفطرة البشرية السوية.
مقالات اخرى للكاتب