تزداد الهجمة من قبل قوى الإسلام السياسي والموجهة بالضد من التظاهرات الواسعة والكبيرة التي اجتاحت مدن العراق. فهناك محاولات خطيرة وليست بالقليلة لا بل واسعة النطاق، سوف تنطلق في الأسابيع القادمة لاختراق التظاهرات ومن ثم حرفها عن مسيرتها السلمية وتغيير الكثير من أهدافها ثم العمل على إجهاضها، وها هي مظاهر الحملة قد بدأت تظهر بشكل سعار واتهامات بائسة، ووصل الأمر لحد استغلال أجواء التظاهر والقيام بأعمال قتل وطعن بآلات جارحة وتوجيه شتائم وسباب وتلفيق روايات كاذبة .
منذ البداية أريد تجير التظاهرات لصالح قوى الإسلام السياسي، ويبدو أن هذا الأمر أعد له مسبقا، ليكون هناك أطار يحيط بالتظاهرات ثم يعمل من داخله على إحباط مطالبها مستقبلا، ووضع أغلب أهدافها وشعاراته تحت وصاية تلك المؤسسات السياسية الدينية، ومن ثم يتم لجمها وترويضها لتكون لسان حال تلك القوى. فالشعارات الدينية بدت تنافس المطالب الملحة للجماهير المعذبة والكادحة، وظهر من يكفر أي شعار يدعو لحياة ديمقراطية وحريات مدنية وخدمات إنسانية. وتقدمت وقائع الحرب على داعش كحجة للتحذير من التظاهرات كونها تضعف الصف الوطني والجهد الحربي، لذا تسابق رجال الدين لإعلان موقفهم المضاد للتظاهرات، أو الطلب بأن تقتصر شعارات التظاهرات على مطالب لا تمس بل تبتعد شوطا عن مصالح الهيئات والقوى المرتبطة بهؤلاء الرجال وقواعدهم المؤسساتية. وبعد هزيمة القطعات العسكرية أمام داعش في منطقة بيجي وللمرة السابعة، برر قائد تلك العمليات بأن التظاهرات الجماهيرية كان لها الأثر الفعلي على عزيمة العسكر وجاء انكسارهم بسبب عدم ورود التعزيزات بالجنود والمواد، والسبب في ذلك كون الجيش مكلف بحماية التظاهرات. ولا ندري كيف استساغ هذا القائد مثل هذه الحجة المتهافتة وتناسى أيام المناسبات الدينية التي توظف فيها لحماية الزائرين فرق عسكرية بعدتها وعديدها. ويبدو أن صخرة عبعوب وكيزر الفهداوي متواليات من التلفيق غير المستساغ في عراق العجائب ليضاف لها هذا التصريح للسيد القائد العسكري.
الهدف من مثل هذه المواقف يذهب لتفريغ الساحة من زخم المطالبات وجعلها شعارات سياسية تستطيع المؤسسات السلطوية وبالذات السيد حيدر العبادي وحزبه وبالاشتراك مع باقي رجال ونساء قوى الإسلام السياسي ومعهم جوقة المنتفعين من عمليات نهب المال العام من شخصيات نافذة ومشاركة بالسلطة، تسويفها والقفز عليها أو تدويرها داخل لجانهم ليضيع دم القضية بين القبائل.
الملاحظ أن السيد رئيس الوزراء مازال بعيدا جدا عن طبيعة الإصلاح الذي تنادي به الجماهير الشعبية. ولحد اليوم يؤشر له مثلما يقول المثل العراقي ( يخوط خارج الاستكان ). فالتظاهرات الجماهيرية إن بدأت بالكهرباء والخدمات ومنذ عام 2008 وقبل أن تستيقظ قوى الإسلام السياسي وتروج لمشاريعها المشبوهة، فقد باتت مطالب الجماهير اليوم واضحة يدركها الجميع، وهي تشير بصريح العبارة لمخاتلات ومنافع أعضاء البرلمان وأعضاء مجالس المحافظات والبلديات والوزراء والمدراء العامين وما يتعلق برواتبهم ومخصصاتهم وامتيازاتهم الفلكية الجنونية، وطرق النهب في دوائر الدولة. كذلك شخصت التظاهرات من هو السارق والقاتل والذي من الموجب إدانته ومحاسبته ومحاكمته، وأيضا وجهت التظاهرات إدانة صريحة للسلطة القضائية واتهمتها بالفساد وخيانة الضمير وشرف المهنة، والسلطة القضائية لم تعترض على ما جاء في شعارات الجماهير، لا بل ازدادت في غيها وعزتها بالإثم، وأصرت على عدم قبول طلب مدحت المحمود الإحالة على التقاعد، لذا أبقته على عرش القضاء تأسيا بفعلة عمر بن العاص مع سيده معاوية بن أبي سفيان أثناء التحكيم في معركة صفين مع الأمام علي بن أبي طالب. وبفعلها هذا أكدت تمسكها بمشروع تخريب العراق والسير به نحو هاوية سحيقة، وتسليط قوى وعصابات المافيات والمليشيات لتحل بديلا في إدارة الدولة عن سلطة القانون. كذلك فأن السيد العبادي مازال يتمسك بذات الوزراء والمدراء العامين في إدارة مجال وأنشطة الخدمات والذين شكل وجودهم على رأس هرم تلك المؤسسات أتعس وأفشل وأقسى فترة مرت ولحد الآن على مدن وبلدات العراق جميعها.
قام السيد حيدر العبادي الذي تفتقد تشريعاته الحزم، وتثار حول نواياها آلاف الشكوك، بتقليص طاقم مجلس الوزراء وقبلها الاستغناء عن نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء،وجميعهم لا يشكل ثقلا في التصدع الذي أصيبت به ميزانية الدولة العراقية. ولم يكن ليخرج هذا الأمر عن مزحة شعر بها بعض من مسهم الضرر، واستغفلت مثل تلك الإجراءات الكثيرين من أبناء الوطن من المتعبين الذين يبحثون عن بصيص أمل في نفق حالك الظلمة. فمن استغنى عنهم السيد العبادي سوف يحتفظون برواتب ومخصصات ضخمة، ولن تمس المنافع التي حصلوا عليها، ولم ولن يستطيع السيد حيدر العبادي غير تطمينهم كشركاء للحفاظ على وضعهم المالي، وهذا ما صرح به في لقاءه مع نخبة من الشباب حيث أعلن، بأنه، لا يمكن لشخص وضع لصرفياته سقف محدد، تأتي أنت فجأة لتستقطع منه أكثر من نصف ذلك المصرف.
الرواتب والمخصصات والمنافع الوظيفية والشخصية، المحاصصة والقضاء الفاشل المرتشي، التزوير بالشهادات المدرسية والوثائق الرسمية، سرقة المال العام، المشاريع والخدمات المتلكئة والمنهوبة والمعدومة، طواقم المستشارين في رئاسة الوزراء وغيرها من المؤسسات، الجيش والشرطة المخترقة من قوى الإرهاب والرشوة، المليشيات وآلاف الفضائيين في جميع دوائر الدولة ووو وآلاف المشاكل والمعوقات، جميعها كانت وتبقى عقد العراق ومقاتله وجوعه وأمراضه وعذاباته . ولحد الآن لم يقترب السيد حيدر العبادي منها، وإنما نجده يهاب مسها، ويهرول بطيئا ليلف ويدور خارجها، وهو فرح يستطيب صوت الشارع الذي يحيي ويمجد أفعاله على علاتها وعوقها. ولعله في النهاية سوف يشعر بالدوار والغثيان وهو يلهث قرب كومة المشاكل وينظر لها بطرف عينيه ولا يجد في السلطة وقوى الإسلام السياسي من يسانده للولوج وسطها وتفكيكها. عندها يبقى محاذر من أن يثير هواجس شركائه الذين شحذوا سكاكينهم استعدادا ليوم الواقعة الكبرى. وسوف يكون مثل هذا الفعل وبجميع تجلياته وصفحاته سلبا أم إيجابا رهان السيد حيدر العبادي على مستقبله الشخصي. فإن أراد دخول حومتها بشكل جاد وحقيقي فليتوقع أن يكون شهيد وطن، وإن تردد فسوف يُصْرع خارج تلك الدائرة ويريح شركاؤه من غير القلقين والمهتمين بمستقبله، ويضيف لكومة أوجاع الناس وجع أخر أكثر أيلام.
مقالات اخرى للكاتب