ان الاسلام السياسي الشيعي في العراق رغم انقسامه وتمزقه الا انه فيه روابط مشتركة تشير الى مستو حدة الصراع الطبقي الذي كان وراء تشظيه فالقائد ان كان من اسرة علمية في حوزة النجف فهو ارستقراطي اقطاعي التفكير يؤمن بالطوطم المقدس للزعيم تتضمن طاعة عمياء وقداسة مطلقة تجعل أي نقد او معارضة ضده يجابه بإعلان حرب مقدسة وهو شعور بالدونية والاتكالية المطلقة على القائد الضرورة الأوحد وعداء للغير الاخر المنافس والمخالف كما ان هناك خطاب وتعامل فوقاني نرجسي في خطاب القائد لاتباعه يعلن فيه ضمنا انه فوق الخطأ وانه يستمد شرعيته من الشارع المقدس. اما الاتباع يريدون له أن يتسرب إلى وجداننا و أن يحتل الزعيم والقائد المفدى والملهم مساحة من لا وعينا ، و تصاغ النصوص و يقرظ الشعر في مديح كلّي القدرة ، المتجاوز للزمان و المكان ، الأبدي الحكم ، الفرد الذي إما هو أو لا أحد ، الذي يختصر الوطن و الشعب في شخصه الفذّ ، و الذي اختزن العظمة في جيناته و أورثها لأولاده ، فمن غيرهم المؤهل للقيادة و هم ظل الآلهة على الأرض لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم و لا من خلفهم ، و هكذا يجري تصنيع المواطن ” الصالح” الذي يدرك ما عليه من واجبات الطاعة للحاكم الأب، والمتنازل عن حقوقه لصالح المرحلة التاريخية ” الحرجة و الدقيقة ” التي تمر بها أمته ، و المضحي بحصته من ثروات بلاده لمصلحة جيش يُجهَز لحرب مع العدو لم و لن يخوضها و لصالح أرصدة و ثروات تتنامى بصورة مخيفة تخص الزعيم و أعوانه واقاربه و أقارب زوجته ..
و كما يجري ترويض النمر بتجويعه ، يتم ترويض الإنسان فينسى شيئاً فشيئاً إنسانيته و يتحول إلى عبد أو إلى منافق ” يبوس اليد و يدعي لها بالكسر ” أو إلى مستكين خانع يفضل أن يستسلم إلاّ من غلبت فطرته الحرة فأبى إلا أن يبقى إنساناً فذاك مصيره السجن أو المنفى أو الملاحقة و تشويه السمعة أو الموت
و حركة التاريخ يقودها الزعيم المتحالف مع علماء السوء و عبدة المال. و سطعت شمس التغيير والإصلاح الجديدة باشرق السيد محمد الصدر فأغلق البعض عيونهم المعتادة على الظلام و عجزت حدقاتهم الفاقدة المرونة عن التكيف مع النور القوي فآثروا الانكفاء ، و بعضهم هللّ للتغيير و لكن على طريقة من أراد أن يقوّم شيئاً معوجاً فقام بثنيه بشدة ليصبح معوجاً من الجهة المقابلة .. فاستبدل الوثن بوثن و شخصت عيناه باتجاه معبود جديد و رمز مقدس ، فلا يقبل أي نقد أو ملاحظة ، بل و يمضي في نفس الطريق الذي تسلكه الديكتاتوريات مستخدماً نفس الأدوات ،يمنع الآخرين من المساس بشخص يعتبره القائد الجديد ، بل إنه يسمي الوطن باسمه لاغرابة في ذلك طالما أن مفردات قاموسنا السياسي و الاجتماعي ما زالت حافلة بمفاهيم التقديس و عبادة الأفراد حكاماً كانوا أم علماء دين أم أجداد ، و مفتقرة لمفاهيم النقد ( نقد الآخر و نقد الذات ) و البعيدة عن مصطلحات المواطنة و حقوق الإنسان و العقد الاجتماعي .. هذا القاموس السياسي الفقير الذي شكّل مرجعية الكثيرين منا كان الديكتاتور يعمل على إفقاره باستمرار و تفريغه مما تبقى من محتوى
ان على الشعب أن يكون مارداً يحقق على الأقل أمنية خلخلة البنى الفكرية الجامدة و الإطاحة بأوثانها كي لا نستبدل ديكتاتورية بأخرى و معبوداً بمعبود اخر والاتباع لهم ولاء عشائري ولذا نجد ان الإسلام السياسي العراقي الشيعي يمجد الولاء العائلي والعشائري ويضعه فوق الولاء الديني والوطني وبالتالي من تسلق من نخب الى أحزاب وحركات سياسية إسلامية في قيادات الصف الثاني هم من الطفيليات الانتهازية الرأسمالية الوصولية التي كان جل همها النفوذ من خلال سرقة المال العام تعمل على التسلط على القواعد الشيعية الشعبية الفقيرة ليس لاجل خدمتها بل لمزيد من النفوذ من خلال تكريس كاريزما القائد محرك التاريخ صانع القيادات
الاتباع من النخبة اما أصبحت بوقا او عنصرا مهمشا لانه المطلوب هو القاتل الاجير او المتملق البوق المنافق الى الحد الذي يكون فيه عضو البرلمان او صاحب الفضائية حامل شهادة ابتدائية لكن مقومات قيادته انه متملق وبوق الى احد القادة او زعيم قتلة ماجورين او شيخ عشيرة او فخذ غير مضمون الولاء تبعه اناس تحمل السلاح ولائه لمن يدفع اكثر يبيع موقفه للجميع قاتل تحت الطلب مهوسجي تحت الطلب ضيف برنامج او ندوة او مؤتمر تحت الطلب والبقية من عامة الناس من الكادحين فهم في سلبية تامة اتكالية تجد الاتباع دون أي إرادة حرة في القرار او رغبة في فهم الحقائق ان عبادة الفرد تقليد قديم وهو جزءٌ من الميراث البشري على مرّ العصور، أن البشر مجبولين على الانقياد والطاعة فالإنسان منذ صغره يربى ويؤدب على الطاعة والتسليم الأعمى للسلطة التي تعلوه مباشرة للاعتقاد بان مقابلها سيكون الفوضى إلى حدودها القصوى بتداعياتها المتمثلة في انعدام الأمن وسيادة قانون الغاب. لذا كانت الحكومة نوعاً من السلطة تستطيع بموجبها تسيير دفة حكم هذا المجتمع والقيام بأعباء الحفاظ عليه، وترتب على هذا نشوء الجيوش والشرطة والقضاء والمجالس وما إليها من هيئات تقوم بالواجبات المترتبة على السلطة ثم بمرور الزمن أن أذيال السلطة التي قامت هي بزرعها في كل مكان وزمان هي القوة المطلقة التي منحت بسذاجة لهذه الفئة تحولت إلى مفسدة مطلقة، فالدولة أو السلطة تريد من المواطن الانصياع الكامل وهي في ذلك ولية أمره أما إن جاع أو عري فإنها تتخلى عن وصايتها التقليدية عليه ولاتهتم بالامر، هذه الفئة لاتسمح بالتمرد والثورة وفق مصالحها الخاصة حيث يعتبر التمرد مخالفاً للعرف السائد للسلطة والقاضي بالخضوع ، بل أن القانون نفسه والذي أجمع المجتمعون عليه، تم تبديله وتغييره بل وخرقه بدون شك من هذه الفئة تحقيقاً لرغباتها ومصالحها الخاصة دوناً عن مصالح الشعب وهم بقية من منحوا طوعاً حريتهم املا وحلما بالأعمار والأمان والعدالة لقاء هذا الامتياز الخاص ذلك ولا شك أن ظهور فئة مثل هذه الفئة وسط المجتمع أدى إلى فالسلطة تجلب المال والقوة والمقدرة وهذا يؤدي إلى انقسام المجتمع قسمة أولى بل ووحيدة الى طبقة معتلية صهوة السلطة والطبقة المسحوقة تحت حوافرها.
مقالات اخرى للكاتب