المقصود بـ (رجل أميركا الغامض في العراق الجنرال جيمس ستيل)، الذي تناولت بعضا من نشاطاته في العراق البي بي سي وصحيفة الجارديان البريطانية، في فيلم وثائقي تابعه قطاع واسع من العراقيين والعرب، ورغم أن ما قيل عن ستيل لم يعرفه الكثيرون من قبل، لكن في حقيقة الأمر أن ثمة الكثير ما لم يتطرق إليه الفيلم الوثائقي.
جاء في التقديم لعرض الفيلم الوثائقي، كُشف النقاب عن وجود صلة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بمراكز اعتقال وتعذيب في عام 2004، يعتقد أنها كانت من الأسباب التي هيأت لحرب طائفية واسعة النطاق في العراق.
ربما لم يعرف بوجود جيمس ستيل في العراق عام 2004 إلا عدد قليل جدا من العراقيين، من غير العاملين مع ستيل في الأجهزة الأمنية التي أسسها الأميركيون، وما وصلني من معلومات عن هذا الشخص في ذلك الوقت كان مثيرا للاهتمام، وبعد تمحيص ومتابعة حثيثة تبين أن مهمة جيمس ستيل في غاية الخطورة، وهذا ما تحدثت فيه ضمن مقابلات عديدة في الفضائيات وتصريحات إلى صحف عربية وأجنبية.
في المعلومات التي سأذكرها، يكتشف العراقيون حجم المخطط الذي حبكه الأميركيون في قضية إثارة الفتنة بين العراقيين، إذ تم تكليف جيمس ستيل بوضع مخطط واسع لتحقيق هدف إثارة الفتنة، وما إن وصل العراق حتى شرع في تنفيذ ذلك، وبالمناسبة فإن المهمة لم تقتصر على ستيل وحده، رغم إشرافه التام على المخطط، فقد تم تقسيم المهمة إلى شقين، يتولى جيمس ستيل تشكيل (فرق موت) تتبع شكليًّا إلى وزارة الداخلية التي تم تشكيلها حديثا، ومهمة أعضاء هذه الفرق اغتيال شخصيات معروفة من 'السنة' وتولى الكولونيل جيمس كوفمان مسؤولية تأسيس (فرق موت) خاصة تتبع شكليًّا إلى وزارة الدفاع العراقية، وتتخصص هذه الفرق باغتيال 'الشيعة'.
هذه الفرق تم تدريب عناصرها على مختلف فنون القتل، وهناك من يمارس الاختطاف وقطع الرقاب وتشويه وجوه الضحايا والاغتصاب، وتم تزويدهم بأجهزة اتصالات خاصة، ومقرات هذه الفرق في القصور الرئاسية السابقة قرب المطار غرب بغداد، ولا يعرف أعضاء فرق الموت بعضهم الآخر، اقصد الفرق الخاصة بالقتل من كل طائفة، وتم تجنيد مجاميع اخرى من بعض مناطق العراق لتنفيذ عمليات قتل واختطاف في مناطق معينة لإثارة الفتنة وإشعال حرب طائفية، وتردد بين العراقيين أن الأميركيين يدفعون مبالغ طائلة لكل شخص يقتل عراقيًّا من الطائفة الأخرى، وهذا مؤكد استنادا إلى روايات مسربة من بعض العاملين في تلك الفرق، ووصل سعر قتل الشخص الواحد بين عشرة آلاف إلى عشرين الف دولار، وتجري عمليات التصفية بغطاء من القوات الأميركية وبتنسيق تام مع الحكومات التي نصبها الأميركيون منذ نهاية يونيو عام 2004.
عندما يقول الفيلم الوثائقي إن نشاط جيمس ستيل وجيمس كوفمان كان عام 2004، فالجميع يعرفون أن أي ملمح لعنف طائفي لم يكن في العراق في ذلك التاريخ، بل ما أغاظ وازعج الأميركيين وجمهرة السياسيين الذين تعاونوا معهم، أن غالبية العائلات التي غادرت مدينة الفلوجة في حرب أميركا الأولى في ابريل عام 2004 م، قد احتضنتها عائلات من الطائفة الأخرى في احياء بغداد الغربية، كما أن مساعدات غذائية ومالية وادوية قد وصلت بكميات كبيرة من مناطق بغداد وجنوب العراق لمساعدة اهل الفلوجة، ووصل مقاتلون من بغداد والنجف وكربلاء ومناطق أخرى للقتال إلى جانب أهل الفلوجة، وعندما نشبت المعارك بين القوات الأميركية وابناء مدينة النجف عام 2004 م، سارع مقاتلون كثيرون من الرمادي والفلوجة وصلاح الدين وبغداد للالتحاق بمقاتلي النجف، حيث دارت معارك شرية هناك، تكبدت فيها القوات الأميركية الكثير من الخسائر.
الأمر الذي مثل صدمة كبيرة للإدارة الأميركية، التي راهنت على الفرقة والاقتتال بين العراقيين لا الوحدة ضد قواتهم.
وسنكمل في الحلقة القادمة بقية تفاصيل دور أميركا في إثارة الفتنة بالعراق.
مقالات اخرى للكاتب