ما حدث قبل أيام من تشابك بالأيدي بين عدد من البرلمانيين في قاعة البرلمان الكوردستاني، أثار جدلا في الأوساط السياسية والصحفية والشعبية في إقليم كوردستان بين معارض ومؤيد للحادث، كما أتاح الفرصة للإعلاميين للإلتقاء بمجموعة من المسؤولين الكوردستانيين للتعرف على آرائهم ورؤاهم حول ما حدث وحول مسيرة ومستقبل الديمقراطية في البلاد وتجاذباتها، ومصير الإتفاق السياسي بين الاحزاب والقوى الكوردستانية، خصوصا في ظل بروز بعض التوجهات غير المعتادة في تصرفات بعض النواب في الدورتين الاخيرتين للبرلمان الكوردستاني.
السياسيون لم يدخروا جهدا في توفير مناخات اللقاءات الجادة مع القنوات الإعلامية التي تلتزم بالمهنية في التعامل مع الاحداث، والتي أرادت تسليط الاضواء بحيادية على ما حدث، وكذلك القنوات التي بحثت كعادتها عن الاثارة، بعض (السياسيين) كانوا صريحين وشفافين في تداول الحادث وربطوه بقضايا أخرى، وذكروا حالات مشابهة لما حدث في العديد من برلمانات الدول الاخرى، وأرادوا إعطاء الحدث حجمه الحقيقي دون تهويل أو تضخيم كما فعلت بعض القنوات الإعلامية، وقدموا النصح، ولو بنسبة متواضعة، للإستفادة من الحادثة في المستقبل والأخذ بإيجابياتها، وتفادي سلبيات خلفياتها، وأشاروا الى وجود رغبات شعبية جامحة نحوتجاوز الحساسيات والعقد والنزعات الفردية والضغائن، وكذلك مراعاة الاستحقاقات السياسية والتاريخية والاجتماعية والظروف الموضوعية الحالية في كوردستان والعراق والمنطقة بشكل عام..
فيما تحدث بعضهم دون توجس أو تحفظ عن السلبيات وإشكالاتها، والتباينات وتداعياتها، في المواقف تجاه قضية، وصفوها بأنها متعلقة، بحقوق الإنسان ومبادىء حرية الرأي والتعبير، وتجاهلوا إعتزاز الكوردستانيين برموزهم الوطنية والقومية التي أفنت حياتها في مسيرة الدفاع عن الشعب وإرساء الديمقراطية والامن والامان، وحققت الإنجازات المتعددة في مجالات البناء والاعمار والتعايش والتسامح والتصالح وتحقيق الحريات وخصوصا حرية التعبير، واستقلال المؤسسات بما فيها البرلمان الذي حدث فيه التشابك، رغم اعتراف الجميع بوجود بعض السلبيات التي طالت المسيرة، كما أن هؤلاء تناسوا الاستئناس بالمفاهيم والقيم والثوابت الوطنية والقومية والرغبات الجماعية التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وحتمية وصول المجتمع الكوردستاني إلى التطوير الكامل وتقديم النموذج الملائم للديمقراطية المتوائم مع ظروف المنطقة..
الحادث، بسلبياته وإيجابياته، والآراء غير المسؤولة التي طرحت حول الموضوع والتي لم تراع خطورة المرحلة الحالية التي تعتبر بحق مرحلة لملمة الجراح بسبب الأزمات التي حلت بنا، وكما لم تراع إجماع الكوردستانيين كلهم على الإلتزام بالقوانين والقيم والثوابت الكوردستانية، والتي كانت معروفة النيات والمآرب، وأصحابها الذين إستهواهم الحديث عن الجزئيات وتناسوا أن الاختلاف السياسي بين النواب ظاهرة صحية، وأن المكاسرة السياسية بين الكتل البرلمانية، لاتعني التلاسن اللفظي والشتم وكتابة المقالات الاستفزازية في الصحف والمواقع الالكترونية، والمخالفة من أجل الشهرة ليست ثقافة كما يدعي البعض، يدعونا الى التوقف والتأمل والتفكير والتساؤل عن دور الجهات المسؤولة عن منع التطاول على الاخرين وبالتالي منع كل الامور التي تسيء لأبناء الشعب الكوردستاني ولهيبة الحكومة وبرلمان الإقليم، خصوصا وأن الكتلتين البرلمانيتين والحزبين اللذين ينتمي اليهما المتشابكون حاولوا إحتواء ما جرى، ورئاسة البرلمان استوعبت الحدث بعقلانية..
ما حدث يدعونا الى دراسة وتقييم أدوار المزايدين السياسيين والقنوات الاعلامية التي تتبرأ من المسؤولية وتحاول أن تجعل من الحبة (كبة)، وتصب الزيت على النار أينما وجد، وتحاول أن تدغدغ العواطف والأحاسيس، كي تتفاعل مع الأحداث بسلبية مطلقة، بدلا عن نشر ثقافة التسامح والمحبة والسلام والمساواة والتعاون والتضحية والاحترام المتبادل بين الجميع، وتعزيز الانتماء لكوردستان.
مقالات اخرى للكاتب