السنوات الستة من الدراسة في كلية الطب بكل اجتهادها وتعبها وسهرها, ليست هي التي صنعت الطبيب.. بل كل سنوات دراسته السابقة ومنذ الصف الأول الابتدائي، هو نتاج كل جده ونباهته وشعوره بالمسؤولية، ومع ذلك وفي الوقت الجديد فان راتبه قد لا يرقى لراتب بعض الموظفين ممّن لم يكمل الدراسة الابتدائية، وذاك جزء من فوضى الرواتب وتحطم سلم هذه الرواتب وهزليتها، وبما أرغم بعض العناوين للبحث عن عمل إضافي ومنها العناوين الطبية، وخصوصا حديثي التخرج، وقد كان بحثهم عن العمل الإضافي يدور حول مذاخر الأدوية، وهناك مسطرهم، يجولون ويطرقون أبوابها، مثلما يطرق المحظوظون منهم ممن ظفر بعمل إضافي أبواب عيادات الاطباء لتسويق الأدوية، ولهذه الممارسة أسرارها وعجائبها، وعمولتها الخفية التي بدأها مسؤولون في وزارة الصحة. مشهد الأطباء حديثي التخرج, أو في مرحلة ما قبل فتح العيادة يثير الحزن والأسى الشديدين, ويفضح وعلى الواقع, مسخ القيم والاعتبارات وتداخل الحابل بالنابل، ولا احد أفضل من احد، المجتهد كالكسول.. والعصامي كالحرامي.. والأمي مثل تلك التي أقسمت ألا تقرأ بعد تخرجها من الطب حتى ترجمة الفيلم الأجنبي، ومن المعروف إن ذات الوظيفة بذات الشروط والمواصفات يختلف راتبها من دائرة الى دائرة (وتبعا لمقدار الراتب تكون تسعيرة رشوة التعيين)، إلا أن وضع الطبيب يستدعي الوقوف والدراسة والمعالجة.. والمجتمع يؤكد جدارته بعقول أبنائه بقدر احترامه لهم وإنزالهم منازلهم، والاحترام والمحبة والتقدير تعود دائما لمصادرها.. وقد لاحظنا خروج بعض الاطباء عن أخلاقياتهم المعروفة برقيها ورحابتها ربما بسبب هذه الاستهانة من البعض وهذا التعامل.. لاسيما من حملة الرتب والشهادات المزورة واحساسهم بالدونية ازاء الاطباء ومحاولتهم النيل منهم وإهانتهم.. وباتت هذه الممارسات معروفة فكيف إذن يرى الطبيب نفسه ومجتمعه وهو الذي صار إضافة لكل ذلك عاملا في المسطر يطرق الابواب لعمل إضافي يساعده على العيش وفتح بيت وتكوين أسرة، في حين كان يتوجب ان ينصرف لعلمه وتحصيله والارتقاء في مجاله واختصاصه، والأكيد أن نقابة الأطباء معنية بالأمر مع غيرها من الطرف الرسمي، على الاقل لإشعار الطبيب الشاب بأن هناك من يتابعه ويهتم بأمره ويغلق عليه باب التفكير بالهجرة، وإلا فالمسطر للبحث عن عمل يؤدي للمسطر على أبواب السفارات للهجرة. -
مقالات اخرى للكاتب