أحد أصدقائي ، صيدلاني مُتقاعِد ، لهُ ولعٌ شديد ، بتجريب " مُستحضراتهِ " التي يتفنَن بإختراعها .. فيُجّرِبها غالباً على نفسهِ ، وأحياناً على أصدقاءه ومعارفهِ " إذا تورَطَ أحدهم ووقع تحتَ رحمتهِ ! " . في مرّةٍ وقبلَ سنواتٍ طويلة ، خلطَ مواد كيماوية ، وقال بأن هذا المُستحضَر ، علاجٌ سريعٌ للصَلَع ، ويُوقِف تساقُط الشعر .. وحيث أنني كنتُ على أعتاب هذهِ الآفة ، فلقد أقنعَني ، مُدّعِياً ، بأن دواءهُ يفيد حتى في حالات الصلع الوراثي .. فأستعملته لبضعة أيام .. ففقدتُ ما كانَ عندي من شَعر ، ولم ينمو لِحَد الآن ! .
وكما يبدو ، فأن صديقي .. ومن خلال تعاملهِ وتجريبهِ المتواصِل ، لإختراعاته الغريبة ، على نفسهِ .. فأنهُ فَقَد الكثير من قُدراتهِ العقلية ، كما فقدتُ أنا شَعري . فقبلَ يومَين إتصلَ بي ، وطلبَ مني الحضور فوراً .. لأنهُ جّهَزَ مُستحضراً عجيباً ، سوف يفيدني كثيراً ، في كتابة مقالاتي . ومن باب الفضول فقط ، ذهبتُ . فقال : " .. انظُر ، هذا السائل العجيب ، هو نِتاج سنوات من الجهد المُثابِر . فإذا تناولتَ ملعقة كوب ، منهُ ، فأنكَ شئتَ أم أبيتَ ، سوف تكتُب ، بشئٍ من " الصراحة " ، أما إذا أخذتَ مِلعقة طعام ، فأن ماستكتبهُ ، سيكون في منتهى الصراحة وبلا رتوش ولا نِفاق ! . قلتُ له ساخراً : .. هل ستدعوهُ : شراب الصراحة ؟ يُحفَظ بعيداً عن مُتناوَل المسؤولين ، لأنه خطرٌ عليهم ؟ .. رّدَ بعصبية : .. كفى مزاحاً .. هذا إمتحانٌ لك ، فأنكَ طالما إدعيتَ أمَامَنا ، بأنك في كتاباتك صادق .. إذن جّرِب شَرابي العجيب ، إذا كُنتَ جريئاً وأميناً ، وكُنْ واثقاً أنه ، ليسَ له آثار جانبية ضّارة . أما إذا كُنتَ خائفاً من قَول الحقيقة ، فعليك الإعتراف بذلك !.
على الرغم ، من أنني ، كنتُ قد قطعتُ وعداً على نفسي ، أن لا أنجَرَ ثانيةً ، الى تخرُصات صديقي ، منذ حادثة الصَلَع .. إلا أنني قبلتٌ التحّدي ، حتى لا يقول عّني أنني خائف ! . شربتُ ملعقة كوب من هذا الإكسير السحري ، كما أحبَ صديقي أن يُسّميهِ ، وقال لي ان مفعوله يستمر لإثنتَي عشر ساعة . وكنتُ قد كتبتُ مسودات قصيرة عن بعض المواضيع ، قبل ساعات ، فأردتُ دحض إدعاءاته وإثبات ان مُستحضرهُ مُجّرَد هراء ! . فأخرجتُ القصاصات من جيبي ، وقرأتُ الأولى :
1- .. ان السبب " الرئيسي " في أزماتنا المتلاحقة ، هو المؤامرات الخارجية التي تُحاك ضدنا ، من قِبَل دول الجوار والغرب .
وبعد ساعةٍ ، أعدتُ الصياغة ، كما يلي : .. ان السبب الرئيسي ، في أزماتنا المتلاحقة ، هو فساد " بعض " المسؤولين ، في حِزبَي السُلطة .
ثم بعد ساعاتٍ ، تناولتُ ملعقة طعام كبيرة ، من الشَراب ، وبعدها ، قمتُ بتبديل الجملة ، كما يلي : .. أن السبب الرئيسي ، في أزماتنا المتلاحقة ، هو الفساد المُزمن لحزبَي السُلطة ، ونزعتهما الإحتكارية طيلة العشرين سنة الماضية .. وكذلك الفساد والضُعف الذي يعتري الأحزاب الأخرى ، وقُبولها المُخجِل ، لتهميشها وجعلها مُجّرَد ديكور . إضافةً الى إفتقار أغلبية الناس ، الى الوعي السياسي والإجتماعي ، الصحيح ، القادر على التمييز ، والمتمكن من معاقبة الأحزاب الفاسدة ووقفها عند حدها . الى جانب ، التخلُف المُزري في التعليم والرعاية الصحية ، والإفتقار الى التنمية البشرية المُستدامة .
2- .. ان إنسحابنا من بعض المُدن ، كانَ تكتيكاً ، وذلك شئٌ شائع في كثيرٍ من الصراعات .
وبعد ملعقة الكوب : .. ان إنسحابنا من بعض المُدن والمناطق ، كان هروباً .
وبعد ملعقة الطعام : .. ان إنسحابنا من بعض المُدن والمناطق ، كانَ هزيمةً مُخزِية ، وتتويجاً لسياسةٍ فاشلة بإمتياز !.
3- .. ان داعش ، وما تقوم بهِ من أفعال .. بعيدٌ كُل البُعد ، عن الإسلام الحقيقي .
بعد ملعقة الكوب : .. ان داعش وما تقوم بهِ من أفعال .. هي إنعكاسٌ لبعض التوجهات التكفيرية ، لدى قسمٍ من منظمات الإسلام السياسي ، المتطرفة .
بعد ملعقة الطعام : .. ان داعش وما تقوم بهِ من أفعال .. هي تعبيرٌ صادِق ، عن الإسلام ! .
.............................
بعد أن قرأتٌ التصليحات الناتجة عن " الصراحة " ، شعرتُ بِمدى خطورة ذلك ، فمزقتُ قصاصات الورق ، وإختطفتُ قنينة الإكسير من يد صديقي ، وسكبتُها على الأرض .. لاعناً أياهُ ولاعناً مُستحضراتهِ ، ولاعناً الذي يُصادقهُ من الآن فصاعداً !! .
مقالات اخرى للكاتب