تعودنا تلك التصريحات من اعضاء اللجنه الماليه والتي تؤكد بما لايقبل الشك والجدل بأن هناك فساد حكوي غير مسبوق وبأنهم ماضون في محاربته بشتى الطرق وأن ذلك يتطلب دراسة وفتح ملفات وحسابات وتدقيق حتى أن أحد هذه الملفات أحتاج الى ستة أشهر للتدقيق وأن أعضاء هذه الجنه يمتلكون أكواماً من الملفات وأنهم لاينامون الا ساعات قليله جدا وأن تلك الملفات تخص معظم الكابينات الوزاريه والتي تسلمت تلك المناصب بعد 2003 ووصل الامر أن في أحد هذه اللقاءات الاعلاميه سأل مقدم البرنامج ضيفه من اللجنه , هل تملكون ملفات عن الوزاره الفلانيه فكان الجواب نعم وكيف لا , ثم سأل المقدم والوزاره الفلانيه وكانت الاجابه أكيد ولكن يجب التدقيق لكي تكمل الحسابات وهكذا دواليك في كل لقاء يدور نفس الحديث ولكننا لم نرى الى الان تقديم أي من هذه الملفات الى القضاء أو حتى الاستجواب من قبل البرلمان ماعدا ملف الكهرباء والذي كان الاستجواب نكته سياحيه أدت الى استحسان عمل الوزاره , فتساءلت في نفسي لربما كان عمل هذه اللجنه مستندا الى ما قام به (سيد قاسم ) في الحكايه التي كان حكاها لي أبي مرات عديده حين كنا نقطع الطريق من دارنا الى محل العمل لأساعده .
على الرغم من أن أبي اليابس الكبير غير متعلم ولكنه أجاد سرد هذه الحكايه , والتي لم أسال عن مصدرها في حينها قبل حوالي ما يقارب الاربعين سنه , حسناً الحكايه تقول بأن هناك في زمن غير محدد قريتين متجاورتين يفصل بينهما جدول مائي صغير وكان في كل قريه سيد من العلماء هو صاحب الامر والنهي على سكانها لأنهم ساده هذا في المقام الاول ولأنهم علماء كما كان يقول لي أبي , أحدهما أسمهُ سيد جاسم والاخر سيد قاسم وكان بيتاهما متقابلان عبر الجدول المائي بحيث أن كل منهما يرى الثاني كل يوم , ولكن المشكله أن هذين العالمين لم يكونا على وفاق بل على خلاف كبير بحيث أن احدهما لايطيق الاخر ولكن لاأحد يعرف سبب هذا الخلاف ولم أسال أبي حينها عن ذلك , ربما كان بسبب التنافس أو الحسد بين العلماء ولكن الامر تعدى الحدود حين أخذ كل منهما بأطلاق الاكاذيب على الاخر والشائعات وبان كل منهما يقول على الاخر بأنه جاهل ولايعرف شيئاً من العلم , وقد أستاء أهل القريتين من هذه العداوه فأجتمع بعض أصحاب الرأي من الطرفين لأنهاء هذه المعاداة بين السيدين وأستقر الراي على أن يجري بينهما تحدي في العلم لبيان الاعلميه والافضليه .
وافق سيد قاسم على الرأى وايضا وافق سيد جاسم على ذلك وصار هناك اجتماع بينهما بحضور أهالي القريتين لتقرير في أي شئ سيكون التحدي , وبعد جدال طويل لم يستقر راي الاهالي على شئ لان كلاهما في نفس مستوى الاعلميه فما كان من سيد جاسم الا ان يتحدى سيد قاسم وكان التحدي هو بعمل تركيبه من السمّ ليجرعه الاخر فما كان من سيد قاسم الا الموافقه وتم عمل القرعه فكانت من نصيب سيد جاسم أي أنه هو من سيقوم بعمل السم أولاً . فقام بأستدعاء جميع مساعديه ومعارفه وأخذ يجمع كل ما يستطيع من أعشاب سُميّه وقرأ التراكيب في الكتب القديمه ليتمكن من عمل سم قاتل من أول رشفه واستغرق ثلاثين ليله حتى أتقن تركيبة سم قاتل واقتنع بانه لايمكن الخلاص منه عند تجرعه , في نفس الوقت قام سيد قاسم بجمع جميع الاعشاب التي يعرفها وقرأ أسرار السموم والعلاج منها أي الترياق المستخدم لكل سمّ وخلال شهر عَملَ أكثر من ترياق لأشد السموم فتكاً , وبجمع من اهالي القريتين تجرع سيد قاسم السمّ فما كان من مساعديه الا ان ينقلوه الى داره وأخذوا يعطونه الترياق تلو الترياق , وبعد ثلاثين ليله ظنّ الجميع بأنه قد مات وشبع موتاً , ظهر سيد قاسم على العامه متعافياً من السمّ بعد غيبه طويله , فرح الجميع ووصل الخبر الى سيد جاسم وأرتعدت فرائصه وقال في نفسه , مادام سيد قاسم قادر على عمل ترياق للسمّ الذي عملته فهو قادر على عمل سمّ لي لايوجد له ترياق فتملكه الخوف ولكنه مع ذلك أمر مساعديه للاستعداد لذلك .
أخذ سيد قاسم يستغرق في التفكير كيف له أن يعمل سمّ يخلصه من سيد جاسم وبعد عدة ليالي توصل الى شئ لم يكن في خُلد أحد, أخذ يوميا وبعد صلاة الفجر يخرج امام داره ويخرج معه هاون من المعدن ويجلس ويدق بالهاون وبصوت عالي ولان دار سيد جاسم كان مقابل دارسيد قاسم فكان يسمع بوضوح دقات الهاون ولكن لم يكن يعرف ما يريد سيد قاسم أن يصنع , عَلِمَ جميع الاهالي بان سيد قاسم أخذ يدق بالهاون الفارغ من بعد صلاة الفجر وحتى ساعه متاخره من الليل , أتى بعض الناس اليه وسئلوه عن الهاون ولماذا يدق به وهو فارغ وبصوت عالي , أجابهم بأنه يعد سمّ لايعرفه أي عالم ممن سبقوه , وصلت المعلومه الى سيد جاسم الذي تعجب من الاجابه وأصبح خائفاً جداً وكل ما يسمع دقات الهاون العاليه يرتعد خوفا أكثر فأكثر وأخذ يفكر ليلاً ونهاراً كيف يمكن له أن يعمل ترياق لسمّ لايراه فقط يسمعه , وتراجعت صحة سيد جاسم بعد أن أصبح لاياكل ولاينام بسبب دقات الهاون التي أخذت تدقّ في رأسه لافي جسده , لم يتهاون سيد قاسم يوما واحدا في الدقّ على الهاون وكل من يساله أن كان قد انتهى من عمل السمّ يَرد أن السمّ الذي أعمله يستغرق وقتا طويلا ولكن لاترياق له , فمرض سيد جاسم وأصبح طريح الفراش وأخذ يهذي ويضعف شيئاً فشيئاً وخاصة عندما يسمع دقات الهاون كل يوم , وفي أحد الايام سمع سيد قاسم صريخ وعويل نساء صادر من دار سيد جاسم فما كان منه الا أن توقف فجأة من الدقّ على الهاون وقال الى بعض المقربين منه اليوم أكملت صنع السمّ وقد أدى مفعوله , وبعد أن أنتشر خبر وفاة سيد جاسم عرف الجميع مدى علمانية وحكمة سيد قاسم وكيف أستطاع أن يتغلب على خصمه لمجرد أنه كان يدق في هاون فارغ , أنتهت .
واليوم ربما أن من يدعي أنه يحارب الفساد من اللجان الماليه وغيرهم أنهم يتبعون حكمة سيد قاسم فأخذوا يدقون في هاونات الاعلام الفارغه . لدينا ملفات فساد ولدينا أدله وماشابه وسنحقق وسنقدم الملفات الى القضاء ...ألخ ولكن الفرق أن سادة الفساد ليسوا سيد جاسم الذي مات من الخوف , ولن يتأثروا بدقاتكم , فأسكتوا هذه الدقات , وخلوا الهاون مستور وعلى العكس تماماً ستطول أيدي سادة الفساد يوماً بعد يوم .
مقالات اخرى للكاتب