القراءة الواعية تنتج ثقافة واعية وتجعل الإنسان عضو فعال في ترقية المجتمع نحو القيم الإنسانية السامية التي في مقدمتها اليوم التعايش السلمي ونبذ الثقافة الداعية الى التطرف والعنف ورفض الآخر المختلف في العقيدة او القومية او الدين او الشكل او اللون , ان الطريقة الوحيدة للقضاء على بؤر الإرهاب وبيئاته وحواضنه هو في إشاعة روح التسامح وجعلها مادة أساسية في المدارس الابتدائية والثانويات والجامعات ولتكن جزء لا يتجزأ من تركيبة وذهنية الإنسان في الأجيال القادمة مع محاولة جادة في تجفيف منابع الكراهية التي أتت ثمارها في خلق عصابات متطرفة تنتعش لرؤية الدماء وتلتذ بها , وفي الوقت ذاته يجب ان تتضافر جهود المثقفين من اجل تحقيق الهدف أعلاه فالدولة العراقية بشتى مفاصلها غير قادرة على ذلك لأنها أصلا مبنية على محاصصة طائفية وعرقية وقومية مقيتة رغم وجود أشخاص معدودين في هيكلها يحاولون نشر قيم التسامح لكن دون جدوى , فكيف لها ان تعالج واقع المجتمع وهي مصابة بمرض عضال عجزت عن مداواته كل صيحات وصرخات الأمهات الثكالى واليتامى والمساكين وكل من ذاق الويلات والتشرد والدمار بسبب سياسة الدولة المفتقرة لرصيد معرفي عن طبيعة هذا المجتمع والحكم المناسب له ,القراءة الواعية ونشر فكر التسامح والمحبة ونبذ الطائفية في أوساط المجتمع هي محاولة لا تخلو من سخرية ! في وسط يعم بالصراع والقتال والذبح والحرق الطائفي لكن هذه المحاولة ستحمي الأجيال القادمة من هذا الجنون الذي يصيب الشرق الأوسط والذي له لون وطعم ورائحة خاصة في بلد مثل العراق ما انفك يوما عن المحن والمصائب فكان ولازال وربما سيبقى لوحة قانية تقطر دما يشارك في رسمها كل من يستطيع ان يضع يده على الزناد او مقبض السكين ليرسل شخصا آخر ما ضاقت به الأرض ولكن اختلف معه في الفكر والعقيدة فأرسله الى عالم آخر متقربا بهذا الفعل الى الإله ! كلامنا هذا لا يشمل من يدافع عن وطنه وأرضه وعن المستضعفين ضد المتطرفين الذين انتجتهم المدارس الإسلامية القشرية التي أخذت ظواهر النصوص ولم تراعي زمانها ومكانها وقامت بتعميمها على كل زمان ومكان متناسية المساحة التي تركها الشرع للإنسان المسلم في معالجة الوقائع المستجدة ومتناسية قوله تعالى ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) اننا بحاجة الى قراءة واعية للتاريخ والحاضر وبذلك ننتج مستقبل أفضل لأبنائنا وأجيالنا القادمة ونجعلهم يبادرون الى قراءة الواقع بأنفسهم بعد ان نشبعهم بقيم التسامح والألفة والمحبة هذه القيم التي أصبحت نشاز في وسط يعج بالتطرف والكراهية ويغذي القيم البدوية الضاربة في عمق اللاشعور للفرد العراقي المسلم الذي اعتاد على قيم التفاخر والغلبة والعصبية وانفصم فيما بعد عندما تلقى جرعة كبيرة غير متوقعة من القيم الإنسانية العالمية التي كان في مقدمتها الديمقراطية والتغيير الكبير والصدمة المباشرة التي حصلت له بعد عام 2003 ,لذلك فالقراءة الواعية تحاول ان تفك هذا الاشتباك الحاصل بين القيم البدوية والدينية وقيم الحداثة والعولمة والديمقراطية لصالح تعزيز قيم الاسلام التسامحية والقيم الإنسانية بصورة عامة ونبذ القيم الأخرى من خلال إخضاع كافة ابناء المجتمع الى قانون ينظم الحياة المختلفة بعد ان يصبح التسامح والسلام جزء من ذهنية الإنسان ثقافيا ومعرفيا .
مقالات اخرى للكاتب