لم أكن أنوي ألاقتراب من سيادتكم لا من بعيد ولا من قريب- لأنكم أصبحتم في نظري ونظر الكثيرون ممن أعرفهم في عداد ألأموات- ولا يحق للآخرين أن يتحدثوا عن ألأموات , بَيْدّ أن عبارتكم الشهيرة التي طالعتها مصادفة في موقعكم – ” أنا لاأحتفل بأعياد السنة ولكنني أحتفل بمنجزاتي ” هذه العبارة حفزت في روحي شجونا وحنينا لماضٍ بعيد جعلني لا أنام الليل مهما حاولتُ – وأنا لاأكتب أي شيء إلا حينما تتحفز مشاعري وها أنتم ألآن تحرقون آخر ماتبقى لي من خريف العمر وتجبرونني على الحديث في الهواء لأن حديثي معكم كما لو أنني أحادث الريح بلا فائدة. شيء جميل جداً أن يحتفل ألأنسان بمنجزاته وأعماله الكبيرة حينما تصب تلك المنجزات في خدمة البشرية والمجتمع الدولي بصورة عامة وليس منجزات لاتشكل أي قيمة على مستوى صفحات التاريخ. لو كتب عبارتك تلك أي إنسان على وجه ألأرض لما أوليته أي أهمية لأنه لايشكل تاريخاً بائساً في حياتي الشخصية لكنك شيء آخر شئت أم أبيت. لنعد قليلاً الى الوراء ونستقرىء التاريخ . في صباح اليوم الذي ذهبتُ فيه أنا لعقد قراني في المحكمة الرسمية كان عمرك سبعة أو ثمانية اشهر– لازلت لم تنبثق الى هذه الحياة وكانت والدتك – الرائعة جداً- ترافقني مع شريكة حياتي المستقبلية لتكون شاهداً لنا على دخول الحياة الجديدة وبصراحة كنا نفتخر لأنها معنا في ذلك اليوم. كانت تسير ببطء لأنها تحملك وكانت خطيبتي تمسك يدها. وجئت أنت الى الحياة وصار عمرك ثلاث أو أربع سنوات وكنت أنا في الخدمة العسكرية في البصرة وكان ابوك مسافراً. حينما كنتُ أزور بيتكم حيث شاء القدر أن تكون شقيقتي في بيتكم زوجة لعمكم – رحمه الله- كنت تركض نحوي وأحملك وأقبلك وأجلب لك بعض الهدايا مع أبناء شقيقتي . كنتُ اعدك واحدا منهم لافرق أبداً بين حسن أوحارث أو أسامة. وسارت عجلة الحياة بلا توقف تستنزف كل شيء وأصبحت شاباً وسيماً وأتقنتَ ألانكليزية لكنك لم تجد عملاً بعد أن عصفت رياح الحرب بهذا البلد في كل ألاتجاهات. وشاء القدر أيضاً أن أكون أنا في إحدى القنوات العالمية كمترجم وباحث مدة أربع سنوات من العمل الشاق جدا والخطر في نفس اللحظة إلا أن الروح ألأنانية التي يتحلى بها صديقي – المدير العراقي – وخوفه من أن أحتل مكانه ولأنني أنتمي الى طائفة أخرى قذف بي الى الشارع بحجج واهية يطول شرحها. قبل هذا التاريخ إحدى القنوات العالمية طلبت مترجما وإستشارني مديري – ألأناني- فيما إذا كنتُ أعرف مترجما متمكناً . جئت أنت على ذهني وأخبرته بأنني سأوفر له مترجما وسيماً – ليس حباً بك- ولكن لأرد معروف والدتك المرحومة لأنها وقفت الى جانبي يوم زفافي. في اليوم التالي إصطحبتك معي الى مكان كنت تحلم فيه ويحلم فيه آلاف الخريجين من جميع اللغات. بقيت على إتصال مع مديرك أوصيه بك حتى أنه صرخ يوما بالهاتف وقال ” والله خبلتني ..أعرف…لاتهتم سأدير بالي عليه ” . قبل هذا التاريخ في ألأشهر ألأولى لرياح التغيير دخلتَ بيتنا صباح أحد ألأيام وكان وجهك مقلوباً رأسا على عقب – فمك ملتو لاتعرف ماذا تفعل …لم تذهب الى والدك جئت لي. ذهبت معك الى إحدى النساء الصالحات وقرأت على وجهك وضربتك بال …وأعطيتها أنا مبلغا من نقودي الخاصة والحمد لله بعد فترة عاد وجهك الى حالته الطبيعية. لم أخبر أحد بذلك لكنني ألآن أمام التاريخ ألإنساني لأوضح لك بعض الحقائق. وشاء القدر مرة أخرى لتكون في هذا المكان الذي أنت فيه ألآن – ألف مبارك- من كل قلبي. العمل الذي تقوم به الآن يستطيع أي شاب أن يقوم به إذا كان يتحدث ألانكليزية وكنت أنا أقوم به منذ عام 1987 الى 2010 ليس فيه أي منجزا سوى ترجمة عامة ومقابلات مع الناس والمسؤولين. عمل روتيني ممل جدا. حينما تتحدث عن المنجزات تكون قد دخلت عالماً آخر. هل كتبت عشرات الكتب عن أهمية السياسة الدولية في العصور المختلفة؟ هل قدمت منجزاً معيناً لخدمة البشرية؟ كم عددا الروايات التي طبعتها حتى هذه اللحظة؟ هل قدمت مشروعاً كبيراً لبناء دولة حديثة خالية من الفساد ؟ هل قدمت مقترحاً لتطوير المنظومة الكهربائية وأهميتها في خدمة العالم عامة والعراق خاصة؟ هل شكلت حزباً وطنياً لإنقاذ الفقراء من هذا الجحيم رغم غنى بلدنا؟ هل شاركت في جميع الفنون التشكيلية العالمية؟ هل ألقيت يوماً محاضرة في ألأمم المتحدة عن تطوير النفايات في العالم وتحويلها الى طاقة جبارة كما تفعل بعض البلدان؟ لنترك كل هذا ونعود الى التاريخ الحديث. منذ أن أصبحت مليونيراً لم تفكر يوماً ما بزيارتي مجرد زيارة ليس فيها رائحة أموال لا أريد منك أي شيء ..هل فكرت يوماً بعمة من عماتك وكيف تعيش وهل فكرت يوما ما ببناء صدقة جارية لوالدتك التي عانت الكثير كي تصل أنت إلى هذا المستوى؟ هل فكرت أن تبني لها مسجداً يصلي فيه الناس بأسمها- وتستطيع أنت أن تبني عشرة مساجد. حينما مات عمك إستنكفت أن تأتي لأنهم فقراء وأنت غني وتخاف أن يطلبوا منك شيئاً. هل تعرف ماذا يقول الناس عنك – حيث أسمعهم أحياناً- يقولون – الكذاب- لأنك لم تف بوعدك يوماً. حينما جئت يوماً ما لزيارة ولدي الصغير بمناسبة زواجه تذرعت بأنك أوصيت له بهدية من شركة الأمازون في النت وضحكنا كثيراً وبقيت تراوغ وتراوغ ولم تصل الهدية – لأن السفينة غرقت في البحر- وحينما كُسرت يد وساق ولدي الطبيب جئت بسيارتك ولم تجلب – بطل بيبسي واحد- كتقدير وأردت أن توصل لي رسالة بأنك أفضل من أبنائي رغم أن شهاداتهم أعلى من شهادتك عشرات المرات لأنك تملك نقوداً ليس لها نهاية- بالعافية عليك-. هل هذه هي ألإنجازات التي تفتخر بها ؟ هل تصدق أن شاباً طبيب أسنان من القرية البعيدة أصغر منك بعشر سنوات – كان ابوه صديقي- ومازحته يوماً ما بأن أسناني تؤلمني وهل يستطيع معالجتها لأنني لاأملك نقودا للطبيب. جاء الى البيت واصطحبني معه وبقيت في بيتهم ثلاثة أيام وعاملونني كأنني واحداً منهم. كان هو وصديقه الطبيب ألأستاذ في جامعة بابل يحومون حولي وأنا ممدد على سرير الفحص كأني ابوهم ويتمازحون معي وتحملوا كل التكاليف هما لاينتميان الى عشيرتي لكنهما ينتميان الى روحي . ماذا تقول عن هذا ألأنجاز؟ لو أنني إتصلت بك وطلبت منك إقراضي مبلغ الفحص هل توافق أم تضحك علي؟ بألتأكيد ستسخر مني ولهذا أنني اراك في عداد ألأموات. أتمنى من الله شيء واحد أن تموت قبلي كي أدفنك بيدي وأخاطب قبرك….” هذه النهاية لن تحصل على أي شيئا واحدا سوى ذكريات..ربما تكون جميلة وربما تكون ذكريات أليمة جداً…وهذه هي ذكرياتك…” ياصاحب المنجزات العملاقة الذي لايحتفل برأس السنة.
مقالات اخرى للكاتب