حتى ما قبل الغزو الامريكي للعراق العام 2003 كان المواطن يحصل على الكمية المناسبة من الغذاء (المواد الاساسية)، بواسطة نظام دقيق ومُراقَب بحزم "البطاقة التموينية".
بعد الغزو بدأت تضعف المتابعة والرقابة الحكومية ما سمح للتلاعب فيها من قبل مسؤولين رسميين ومستوردين وموزعين وتقلصت المواد التموينية الضرورية وحتى ما تبقى منها وهو قليل لا يصلح في اغلب الاحيان للاستهلاك الآدمي. والشواهد على ذلك كثيرة.
ولأن الخراب شمل جميع القطاعات الانتاجية وبخاصة قطاع الزراعة والاعتماد شبه الكلي على الاستيراد غير المنظم يعاني اليوم "1.9مليون عراقي على الأقل أو ما يعادل 5.7 في المائة من السكان الحرمان من الغذاء وعدم الحصول على ما يكفيهم من الطعام" حسب نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية جاكلين بادكوك قبل يومين.
كما توقعت ايضا ان يتعرض "4 ملايين عراقي آخرين لانعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى معاناة واحد من كل أربعة أطفال من توقف النمو البدني والفكري بسبب نقص التغذية المزمن".
يحدث هذا في بلد لم يتجاوز عدد سكانه 35 مليون نسمة، يعيشون على بحيرة كبيرة من النفط، وبلغت موازنته السنوية 118 مليار دولار.
لاشك ان عوامل كثيرة من بينها اهمال دعم القطاع الزراعي، شحة الموارد المائية، التصحر، اسهمت في قلة الموارد الزراعية والاعتماد على استيرادها من الدول المجاورة. الا ان غياب التخطيط، استشراء الفسادَين المالي والاداري، عدم الاستقرار الامني وكذلك السياسي، هي من بين اهم العوامل التي ادت وتؤدي الى هذه المشكلة الانسانية التي لو استمر الحال على ما هو عليه اليوم فسوف تتحول الى كارثة حقيقية.
المنظمات المنبثقة عن الامم المتحدة المهتمة بالقضايا الانسانية والحقوقية والثقافية تتصف تقاريرها بالحيادية وعادة ما تصدر بعد استطلاعات وبحوث ودراسات تعتمد الارقام. لكنها لا تجد الاهتمام من قبل الدوائر الحكومية بل ربما – وقد تكرر هذا في مناسبات عدة- تنظر اليها بعين الريبة وغالبا ما تتهمها بعدم الدقة وانها غير محايدة. فيما المسؤولية الوطنية تحتم النظر اليها بعين الاعتبار بخاصة وان العراق يفتقد الى مراكز بحثية رصينة يمكن الاعتماد عليها في مثل هذه المواضيع ذات العلاقة بالحالات الانسانية.
للاسف فإن المسؤولين العراقيين لا يفرقون بين منظمات الامم المتحدة ذات الاهتمام بالجوانب الانسانية، الحقوقية، الثقافية، وبين منظمات اخرى تهتم بالجانب السياسي من مثل مجلس الامن ووكالة الطاقة الذرية التي هي بطبيعتها حاصل جمع ارادات الدول القوية التي تحتكر القرار فيها.
مقالات اخرى للكاتب