أحد أصدقائي ، تّسنَمَ موقعاً وظيفياً رفيعاً .. إستدعاهُ أن يغيب عن التواجد في منزله لِعدة أيام إسبوعياً .. ولأنهُ لم يُعّوِد شريكته ، كما يبدو .. أن تقود أفراد العائلة في غيابهِ .. ولأنه أيضاً ، لم يُشّجِع الاولاد بطريقةٍ قاطعة وواضحة ، على الإنصياع ، لتوجيهات الأُم .. ورُبما .. لأن الأم نفسها ، لم تستطِع صقل إمكانياتها التربوية ولا تطوير قُدراتها الذاتية ، وإرتضتْ أساساً بِدَور التابع .. فأن الأولاد ، كُلٌ في مُحيطهِ .. وجدوا فُجأةٌ .. فُسحة من المَجال .. للخروج من شرنقة ، الضوابط الصارمة للأب .. وإنساقَوا تدريجياً .. وراء ميولهم التي كانتْ ، مكبوتة . فهذا أصبح يسهر في المقاهي لغاية منتصف الليل ، بِحجة الدراسة .. والآخر ، يُدّخِن ويُخالط بعض الفاشلين من أقرانهِ . وبالطبع .. إستطاع الاولاد ، ان يُظهِروا أنفسهُم ، في الأيام التي يكون الوالد موجوداً في البيت .. على أنهم مِثالٌ للإستقامة ورجاحة العقِل ! ... وشيئاً فشيئاً .. وبسبب الوفرة المالية ، وبِحجة أن لا يشعر الأولاد ب " النقص " تِجاه أصدقاءهم .. أصبحوا هُم كذلك .. يُنافسون زملائهم ، على قيادة السيارات السريعة ، ويتفننون في التحرُش بالفتيات .. وبالطبع ، يتبارونَ في التباهي ، بالمَظاهِر .. إبتداءاً من الموبايلات الحديثة ، مروراً بكمية البيرة التي يستطيع شربها ، وصولاً الى آخر موديلات السيارات ومواصفاتها .. ومن نافلة القول .. ان كُل واحدٍ من هذه الجوقة من الأصدقاء .. لا بُد ان يتفاخَر .. بِقُوة ونفوذ وإمكانية ( والدهِ ) .. الذي يستطيع إجتراح المُعجزات ، وأنه في غاية الأهمية والخطورة .. بحيث انه ، لايُمكن الإستغناء عنه بأي حالٍ من الاحوال ! .
وليسَ صعباً .. إستنتاج ، ان حديث مجموعة الأصدقاء هؤلاء ، من أبناء عَلِية القَوم .. لايقتربُ عادةً ، من " الثقافة " أو " العلم " .. أو التفكير بالمُستقبل أو التحصيل الدراسي ، ولا حتى بِأُفقٍ إنساني أو مَيلٍ إبداعي رصين .. بل وكأنما هو حلفٌ للفاشلين في الحياة وتجمُعٌ للطُفيليين! .. وحتى الذين منهم ، مًنْ وصلَ الى مرحلةٍ جامعية أو أكمَلَها .. فأنه فعلَ ذلك غالباً ، بالطُرق الملتوية ودروب الفساد وشراء الأسئلة وشراء الذِمَمْ ! .
المُصيبة .. ان الوالد ، وبِحِس الأبوّة المُفترَض .. لا بُدّ أن يشعر ، ان هنالك خللاً ما في تصرفات الأولاد .. ولكنه يُقنِع نفسه بما يلي : .. مادامَ أولادي ، يُصادقونَ إبن فلان الفلاني ، ويخرجون مع إبن علان العلاني ، ويتسامرونَ معهم ... الخ . وآباءهم هُم ما عليهِ من نفوذٍ وسطوة وقُوة وإقتدارٍ مادي ومعنوي .. فليسَ من المعقول .. أن يتورطوا في أفعالٍ غير مناسبة ، أو يكتسبوا صفاتٍ سيئة ! .
يا صديقي .. أنا أرى .. بعكسِ ما تتصّوَر تماماً . فالخطورة تكمن في الإختلاط بمثل هؤلاء تحديداً .. هؤلاء المحدودي الأُفق ، المتبطلين ، البعيدين عن القِيَم النبيلة ، الفارغين ، الإستهلاكيين ... الخ . إذ ماذا سيكتسب الأولاد من مُصادقة أبناء مَنْ يُسّمون أنفسهم ، عَلِية القوم ؟ غير ، التفاهة والسطحية والمظاهِر ؟ . " مرةً اُخرى ، لا أُعّمِم .. فهنالك بعض كِبار القوم والأثرياء ، قد رّبوا أبناءهم أحسن تربية .. لكني أجُازف بالقول ، ان نسبة هؤلاء البعض ، قليلة في مجتمعنا " .
وانتَ نفسكَ يا صديقي .. ماذا سيفيدك مجدك الشخصي المُفترَض .. إذا خسرتَ أولادك ؟
مقالات اخرى للكاتب