لم أقتنع يوماً بمقولة أمي (يمّه المحبّة من الله) لذلك كنت أُكثِر من وضع دهن الشعر على رأسي، كان ذلك قبل اكتشاف الجلّ. كنت أدهن شعري و أصفّفه بعناية حتى يبدو كشعر صناعي من شدّة اللمعان، ثم أرشّ خديَّ و رقبتي بكولونيا يحرص أبي على استعمالها بعد حلاقة ذقنه في الصباح. كل يوم أكشخ و أطلع مودَّعاً بكلماتي أمّي التي كانت كفيلة بإحباط عشيرة كاملة (مكيّف ابو خشم عبّاله راح يباوعن له الحْديَثات.. المحبّة من الله يَ وليدي). وبالفعل تصدق نبوءة أمي وأعود خائباً بعد وقوف ساعات طويلة على الجسر بانتظار التفاتةٍ ما من حْديَثةٍ ما دون جدوى. (ها يمّه صدّگتْ المحبّة من الله؟!) تسألني أمي حين أعود منكسراً فأجيب مكابراً (لا ما صدّگت و باچر تشوفين)، و يأتي الباچر بعد الباچر و أنا على هذا الحال، أدهن و أطلع، أنشتل ساعات طويلة و أرجع بطرگ اللمعة. أمسِ فقط و بعد مرور ثلاثة عقود على تلك الأيام صدّقتُ قول أمّي بأن المحبّة من الله و لا دخل للشكل في الموضوع. كان هذا حين مررت بالقرب من كافتيريا هاڤانا وسط المدينة فسمعت صوتاً هائلاً من خلفي طربّااااااااااااااا، التفت لأرى فتاةً شقراء قد أغمي عليها و سقطت على الأرض لتعمل جلبةَ في المقهى. سارعتُ لمساعدتها بينما اتصلت النادلة بسيارة الإسعاف التي لم تتأخر سوى بضع دقائق. في المستشفى استيقظت المسكينة لتجد رأسها في حجري أمسّد على شعرها، كان المشهد شبيهاً باستيقاظ ملاكٍ نائم في حضن عفريت. أشحتُ بوجهي عنها اشفاقاً عليها من الصدمة فأمّي كانت تقول (يمّه خطيّة البنات من يشوفن خشمك يخترعن)، لكن الغريب أن ڤيلدا ـ هكذا اسمها ـ لم تنصدم ابداً، بل مدّت يدها الى خدّي وبحركة رقيقة أدارت وجهي نحوها وقالت: اللّـــــــــه! شهمٌ و جميل، ما اسمك يا سغيري (صغيري)؟! اسمي آزر، أجبت بحياء على غير عادتي. آآآآآآآه كم انت جميل يا آزر، قالتها ڤيلدا و هي تمرّر أصابعها على فمي و تغفو من جديد. قبل ساعة من الآن وردتني هذا الرسالة القصيرة على هاتفي: هاي آزر، أنا في اجازة حتى نهاية الأسبوع، ما رأيك أن نقضيها سويّة في جزيرة لوفوتين الساحرة، من زمان و انا ابحث عن جنتل مان ساحر أمرح معه في جزيرة ساحرة؟! مع تحياتي القلبية، ڤيلدا.
ليهسّه ما جاوبتها، لأن ايديّه مبلّلات وأخاف على الموبايل يحترگ، شتسوّي؟! شغل البيت ما يخلص والمواعين گرگدة.
بس صدگ المحبّة من الله.