عادة يقدمون الخراف كأضحية في مناسبة حلول أعياد دينية ، بينما في العراق يقدم الساسة المتخاصمون على السلطة و بالتواطؤ مع قوى الظلام التكفيرية ، بشرا من لحم و دم كأضحية مقتولة و مذبوحة بسكاكين الإرهاب على محراب السلطة و المال و النفوذ و النشبث بالحكم و السلطة حتى الضالين ..
بل إن مهزلة السهولة التي يقتل من خلالها المواطن العراقي على وقع تفجيرات و هجمات يومية و متواصلة ، و بشكل مجاني و رخيص متكرر ، صباحا و مساء ، بحيث يبدو الأمر و كأن الخراف المنذورة للأضحية هي أغلى و أثمن بكثير من المواطنين العراقيين ، الذين يُقتلون يوميا و بأعداد أكبر بكثير من هذه الخراف المنذورة للأضحية المقدسة ..
حتى يمكن القول : إذا كان هذا المواطن أو ذاك لم يُقتل البارحة أو اليوم ، فذلك لم حدث إلا بمحض صدفة فحسب !..
و هذا لا يعني بأنه غدا سيفلت من كماشة التفجيرات و الهجمات الإرهابية أو الميليشاوية المتحاربة و المتقاتلة فيما بينها في أحياء مزحومة و مكثفة ..
ففي النهاية إن العراقي يعيش بالصدفة البحتة في معظم أرجاء العراق ، كأن يفصل بين مروره من ساحة أو شارع بضع دقائق فقط قبل حدوث انفجار مدو ــ كما حدث مرتين لكاتب هذه السطور ــ فآنذاك يتحسس المرء رأسه و أطرافه ليتأكد بأن كل عضو و طرف من أعضائه و أطرافه لا زالا في محلهما ، في الوقت الذي يتناهى إلى أذنه صفير أصوات سيارات إسعاف مسرعة و هي تشق طريقها بصعوبة بالغة في وسط زحام مروري خانق و طويل ، حتى يتمتم مع نفسه مذهولا :
ــ حسنا ! .. لو تأخرت سيارة النقل بضع دقائق فقط ، لكنت الآن أما قتيلا أو جريحا بشكل خطير و فظيع حالي في ذلك حال الضحايا الذين تسرع سيارات الإسعاف من أجلهم ، و ربما متأخرة ، بسبب الزحام الذي تسببه السيطرات بدون أي جدوى أو نتيجة مفيدة !..
فآنذاك يشكر المرء ربه على سلامة حياته ، وعلى كونه قد فلت في هذه المرة أيضا من مخالب الموت النتسلطة على رقاب العراقيين في كل زاوية و منعطف لشارع أو ساحة أو ميدان مفخخ بقتلة و سفاحين من كل حدب وصوب ..
أما غدا أو بعد غدا ، فربما ستسعفه الصدفة أيضا و يكسب بضعة أيام أو شهور من عمره المهدد ..
فالعراقي يعيش بالصدفة و على الصدفة و بفضل الصدفة !..
إذن فكم رهيب أن يعيش المرء بالصدف ! ، في بلد أضحت أعداد كبيرة من سكانه أما مشروع قاتل أو قتيل ؟! ..