بدلا من إعطاء السياسي مفاتيح المدينة ، قد يكون من الأفضل تغيير الأقفال. ((دوج لارسون))
رغم بعد المسافة ما بينه وبيننا ، ادهشني كل ما كتب عنه ، بل استغربت من طريقة ادائه للمسؤولية ، وهو رئيس دولة يمنحه دستور بلاده حق امتلاك بيت فاخر وعدد لا يستهان به من سيارات وعناصر للحماية ، ولكنه فضل ان يكون متواضعا يسكن منزلا بسيطا ، ويتجول بسيارته القديمة (فولكس فاغن) مرتديا بدلة متواضعة لا يميزه عن مواطنه العادي بشيء ، لم أعرفه عن قرب ، ولم اشاهده الا على شاشات التلفزة ، ولكن كلما رايته من خلال تقرير عنه وعن حياته السياسية زادني قناعة بشخصيته ان رئيس من النوع النادر في زمن الحكام المتلهفون لنعم الصفقات المشبوهة على حساب شعوبهم ، الغريب فيه انه ليس بمسلم وربما لم يقرأ ما جاء به القرآن الكريم الذي يعتمده البعض وسيلة للنهب والسرقة والتضليل ليمرروا تحت ستاره ما في جعبهم من خبث فكري وسوء النوايا ، والذي خصه الله لنا كمسلمين ليكون مرجعنا نعود اليه عندما يجتهد البعض زورا في تفسيره على هواه ، ولكن يتصرف وكانه عاشر الانبياء ليعمل على ضوء المبادئ التي جاء بها القرآن الذي يحرم الكذب والنفاق والاحتيال ، ولا يترك مناسبة الا ويؤكدها بالقول والفعل لكي يحافظ على ما منحه الله من شعور واخلاق والخصال الحميدة ليؤدي دوره انسانيا كما يجب وملتزما بأمانة شرف المسؤولية ، وعدم الاهتمام بالمغريات الدنيوية اللعينة التي تجمد القلوب وتميت الضمير دون ان تنتزع الروح ، وتدفع بهم في النهاية الى الهاوية ، راتبه الشهري لا يتجاوز بالعملة الصعبة ((1250)) دولار امريكي ، وصنفه المتابعون لمسيرته السياسية ان يكون اول رئيس على مستوى العالم يرضي بما منحه له دستور بلاده من استحقاق ، ولا يتجاوزه يمينا ولا يسارا بالبحث عن مصادر أخرى ليزيد من ثروته ليكون كسائر اقرانه من زعماء العرب حصرا لانهم يفوقون حكام الكرة الارضية قاطبة بما يملكونه من خزائن للذهب والاموال والعقارات ومن منتجعات سياحية يعجز كتاب القصص والروايات من وصفها على الورق ....
اذن هذا هو خوسيه موخيكا افقر رئيس جمهورية في العالم ولكن اكثرهم سخاءً وكرماً الذي يرفض ان يرسمه احد بغير لونه وطيفه الحقيقي الذي لا يتعدى البساطة والتواضع في كل شيء ليترك الخيار بقبوله أو رفضه عند ابناء شعبه على حجم وضوحه الذي يتجرد من كل غموض منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية في بلده اورغواي في مايس من عام 2010باستحقاق انتخابي ، وفضل العيش في مزرعته المتواضعة دون حراسة مرددا على الدوام قوله المأثور ((الذي يصبح خادما لشعبه لا يخاف الموت ابدا .. اللصوص والسراق هم الذين يخافون ،أما أنا أفضل الموت من اجل الشعب لأنه أرفع وسام)).....
لست بصدد مقارنته مع حكامنا وزعماءنا الذين يملأؤن العراق بطوله وعرضه لأنه لا أجد لها ميزانا منصفا ، بل ولا اريد ان أحشره مع مجموعة من الناس جاء بهم الصدفة الى الواجهة ليسرقوا المناصب ويستحوذوا على كل ما يصادفهم من ثروة وصفقة تدر عليهم بالمال ، ولا يشعرون بالخجل حين يجدون امامهم هذا النمط الفريد من الزعامة السياسية الخارجة عن المألوف التي تحولت الى حديث شعوب البلاد العربية المغلوبة على امرها بسبب الهوة العميقة التي تفصلهم عن حكام بلادهم ، بما في ذلك الشعب العراقي الذي لم يجد حاكما يحكمه على اساس المساواة والعدالة ويشعر بوجوده ككائن له الحق ان يلتقي رئيسه بل ويراه وسط الناس وهو يتفقدهم ويتفقد عن قرب كل صغيرة وكبيرة في حياتهم العادية ليجد لهم الحل ويعالج معاناتهم بروحية ابوية صادقة تبعد عنهم الشكوك ، بل وترسيهم الى شاطئ الامان والطمأنينة على مستقبلهم المنشود ، وهي زعامة سياسية وانسانية يتمناه الشعوب لتكون باستمرار على مقربة من تفكير زعماءها الذين يضعون الخطط والبرامج ، ويبنون بها جسرا من التواصل الدائم مع شعوبهم في سبيل الارتقاء بواقع انسانهم الاجتماعي والثقافي ...
ومن هنا وما اعتقده انه لو كان لخوسيه موخيكا حدودا جغرافية متاخمة لحدود بلدنا العراق لأوعز فورا ببناء مخيمات انسانية داخل اراضيه ليجنب أطفال العراق من الموت البشع ، بل كان لا يتردد ان يمنح الارامل والثكالى الامل بحياة افضل مما هم عليها في عموم العراق ، ولكن ما يؤسف ان سيناريوهات الموت الدائمة للأطفال والنساء والشيوخ اصبحت منهاج عمل دائم لعصابات مجرمة تسرح وتمرح في العراق تحت شتى المسميات دون ان يتحرك منذ عشر سنوات ضميرا حيا واحدا ليرفض ما يتعرض له الابرياء ، وبسببها تحولت شوارعنا وساحاتنا الى حواضن للأطفال المشردين يمدون الأكف للحصول على ما يجنبهم من خطر الهلاك ، فيما نجد زعماءنا وما اكثرهم مشغولون بالبدلة التي يظهرون بها على شاشات التلفزة وبالسيارة المصفحة التي تنقذهم من خطر الموت الذي يطاردهم باستمرار ويخافونه ، ولا يخافون شعبهم الذي يتحدى الموت الذي لا يحضر الا بفعل فاعل دنيء لم يدرك معنى المواطن وحقه بالعيش بسلام في وطنه مسلوب الراحة والامان ، ولم يبرهنوا خلال كل هذه السنوات انهم قادة حقيقيون للشعب ، متجاهلين ان تلك الاقنعة التي يتسترون بها هي قابلة للزوال ، ولم يبقى ساحة مفتوحة الا امام من يمنح الشعب حق قدره ، على غرار ما يمنحه هذا الرجل الذي اشغلنا بتواضعه الشديد ليكون اول رئيس يتنكر لذاته وحقوقه من اجل الوطن
عذرا سيدي خوسيه موخيكا ..فانت متهم من قبل حكام العرب عموما بسرقة مبادئ الاسلام وتطبيقها دون رضى مراجع الاسلام ومشايخهم ، فهل لديك من وسيلة للدفاع ..
مقالات اخرى للكاتب